لا يقتصر دور موظفي السفارات الإيرانية في العواصم العالمية على العمل الدبلوماسي فحسب، بل كشف العالم أجمع اشتراكها في نشاطات إجرامية متعددة، باعتبارها مقرات للتجسس، وبؤراً للفتن والصراعات، وأوكاراً لتجنيد العملاء، ومراكز لتأسيس التنظيمات الإرهابية والتدريب على صناعة المتفجرات، تلك هي الحقيقة التي عانى منها العالم على مدار الأربعين عاماً الماضية منذ قيام ثورتها عام 1979م. ونحن اليوم أمام جريمة ضد الإنسانية رسمها وخطط لها النظام الإيراني الإجرامي، غير أن إرادة الله حالت دون وقوعها.. وفي دائرة محكمة أنتويرب، اطلعت "الرياض" على سير أعمال المحاكمة، والحصول على معلومات قيمة تكشف إجرام النظام الإيراني، وتوضح كيفية استخدامه مرافق سفاراته والأجهزة الحكومية للإرهاب والجريمة، بدلاً من رعاية شؤون مواطنيه والسهر على توفير حاجياتهم. تفاصيل إفشال خطة "حمام الدم" في قلب أوروبا محاكمة أنتويرب تدشن مواجهة أوكار الموت الإيرانية 40 عاماً من الإرهاب المعولم.. حان وقت الردع الدبلوماسي القاتل يهدد أوروبا بانتقام ميليشيات إيران إحباط العملية أحبطت السلطات البلجيكية، يوم السبت 30 يونيو 2018م، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفرنسية والألمانية، مؤامرة إرهابية كبرى ضد تجمع إيران الحرة للمعارضة الإيرانية، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في فيلبينت، إحدى ضواحي باريس. وحضر التجمع نحو 100 ألف شخص. وكان المستهدف الرئيسي للمؤامرة الإرهابية السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وعشرات الشخصيات الدولية البارزة. وكانت السيدة رجوي أيضاً هدفاً لمؤامرة أخرى في مارس 2018م، عندما حضرت احتفالاً بالعام الإيراني الجديد لأعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في تيرانا، ألبانيا، حيث تم إحباط المؤامرة وتم طرد سفير النظام الإيراني ودبلوماسي آخر. ووجهت المحكمة تهمتين إرهابيتين إلى أربعة أشخاص: «محاولة الإرهاب بقصد القتل والمشاركة في مجموعة إرهابية وأنشطة إرهابية». الجناة أسد الله أسدي، دبلوماسي للنظام الإيراني وهو أيضاً ضابط كبير في وزارة الاستخبارات والأمن سيئة السمعة، وكان رئيس محطة وزارة الاستخبارات في أوروبا، وخبير في المتفجرات، وعمل عدة سنوات في السفارة الإيرانيةبالعراق ضد منظمة مجاهدي خلق والجيش الأمريكي، وكان داعماً كبيراً لميليشيات الحشد العراقي، وأسس فرقة اغتيالات. مهرداد عارفاني، عميل سري لوزارة المخابرات، تم تكليفه بالتسلل إلى تجمع أنصار منظمة مجاهدي خلق بهدف جمع المعلومات الاستخبارية لعملية إرهابية. نسيمه نعامي، عميلة مدربة في وزارة الاستخبارات، وكانت تسافر بانتظام إلى إيران، وتتلقى تعليمات مباشرة. أمير سعدوني، عميل استخبارات سري للنظام الإيراني، ومكلف بالتسلل إلى أنصار مجاهدي خلق لجمع معلومات عن أنشطتهم. انعقاد المحكمة بدأت محكمة أنتويرب، يوم الجمعة 27 نوفمبر 2020م، بعد ما يقرب من عامين ونصف من التحقيق، النظر في قضية أربعة متهمين، من بينهم ما يسمى بدبلوماسي النظام الإيراني وثلاثة إرهابيين متواطئين بمحاولة تفجير تجمع إيران الحرة يوم السبت 30 يونيو 2018م، في فيلبينت بفرنسا، حيث حصل الإرهابيون الثلاثة على الجنسية البلجيكية قبل عدة سنوات. وخصصت الجلسة لاستماع إلى لائحة المدعي العام ومحامي المدعين الخاصين، حيث طلب المدعي العام في أنتويرب السجن 20 عاماً لأسد الله أسدي، و18 عاماً لكل من أمير سعدوني ونسيمه نعامي، و15 عاماً لمهرداد عارفاني، وطالب بتجريد الثلاثة من الجنسية البلجيكية، وأكد المدعي العام أن الهدف الرئيس للهجوم الإرهابي كانت السيدة مريم رجوي. عقدت المحاكمة الثانية لأسدالله أسدي وثلاثة إيرانيين متهمين آخرين يوم الخميس 3 ديسمبر 2020م في الساعة 9:00 صباحاً، وخصصت الجلسة لمحامي المتهمين، في حين امتنع المتهم الرئيس - أسد الله أسدي - للمرة الثانية من حضور جلسة المحاكمة. وسيصدر الحكم النهائي للمحكمة في 22 يناير2021م، وسبق أن تم تقديم المذكرات الخطية للشكاة والنيابة يوم 14 سبتمبر 2020م، وتقديم ملخصات كتابية للدفاع يوم 14 أكتوبر 2020م، وتقديم مذكرات رد كتابي للجهات المدنية والنيابة في 06 نوفمبر 2020م، وتقديم ملخص كتابي نهائي للدفاع بتاريخ 23 نوفمبر 2020م. الأطراف المدنية في القضية هناك خمسة وعشرون شاكياً في القضية، وهم: جوليو ترزي وزير خارجية إيطاليا السابق، إنغريد بيتانكورت، عضو سابق في مجلس الشيوخ والمرشح الرئاسي في كولومبيا، روبرت توريسيللي، عضو سابق في مجلس الشيوخ الأمريكي، ويسلي مارتن، كولونيل (متقاعد)، رئيس مكافحة الإرهاب وضابط الحماية لجميع قوات التحالف في العراق، روجر دنكان جودسيف، عضو سابق في البرلمان البريطاني، أحمد غزالي رئيس وزراء الجزائر الأسبق، ليندا شافيز، مديرة البيت الأبيض السابقة لمكتب الاتصال العام، تونه كلام، عضو سابق في البرلمان الأوروبي من إستونيا، روبرت بلاكمن، عضو البرلمان البريطاني، إيف بونه، الحاكم السابق وعضو الجمعية الوطنية الفرنسية، طاهر بومدرا، النائب السابق للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، روبرت جوزيف، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق للحد من التسلح والأمن الدولي، إليزابيتا زامباروتي، عضو سابق في البرلمان الإيطالي، سنابرق زاهدي، رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فرزين هاشمي، مسؤول في لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية نفسه. الأدلة على الجناة أسد الله أسدي، قائد العملية، وقام بنفسه بتسليم المتفجرات إلى نعامي وسعدوني وأمرهما بتنفيذ العملية، عمل أسدي معهم لعدة سنوات لإعدادهم لهذه العملية. قال المدعي الاتحادي الألماني في 11 يوليو 2018م إن أسدي سلّم المتفجرات شخصياً لسعدوني ونعامي في 28 يونيو 2018م في مدينة لوكسمبورغ، وأكد الزوجان أن أسدي أعطاهما المتفجرات والمفجر. التحقيق يكشف تفاصيل اتصالات عديدة بين أسدي ونعامي وسعدوني، وتلقى العملاء الثلاثة مبلغاً كبيراً من المال مقابل أنشطتهم. وفقاً لنتائج التحقيق، كان أسدي، بصفته ضابطاً كبيراً في وزارة الاستخبارات والأمن الداخلي يتصرف بالنيابة عن النظام الإيراني. الأدلة الواردة في الملف، والتي قدمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تشير إلى أن القرار اتخذه مجلس الأمن الأعلى برئاسة رئيس النظام الإيراني حسن روحاني، ووافق عليه المرشد الأعلى علي خامنئي. وبناءً عليه، تم تكليف وزارة الاستخبارات والأمن الداخلي بتنفيذ القرار بالتنسيق مع وزارة الخارجية. في 02 أكتوبر 2018م، صرح وزراء الداخلية والخارجية والاقتصاد الفرنسيون في بيان مشترك أنهم قرروا تجميد أصول وزارة الاستخبارات واثنين من مسؤوليها بسبب «هذا العمل الخطير للغاية على أراضينا». وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن «تحقيقاً أجرته (مخابراتنا)... مكّننا من الوصول إلى نتيجة دون أدنى شك بأن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الاستخبارات الإيرانية... وأمر نائب وزير الاستخبارات بذلك». وفقاً لمكتب المدعي الفيدرالي البلجيكي: «تم العثور على ما يقرب من 500 جرام من مادة TATP وجهاز تفجير في حقيبة أدوات الزينة الصغيرة أثناء تفتيش سيارة سعدوني / نعامي». حصانة أم إفلات من العقاب؟ لم يمثل أسد الله أسدي، قائد عملية فيلبينت الفاشلة، أمام المحكمة في 27 نوفمبر، وكذلك الجلسة الثانية للمحكمة في 03 ديسمبر2020م، وذكر محاميه أن موكله لم يعتبر المحكمة مختصة بالنظر في قضيته، لأنه ادعى أنه تم تجاهل (حصانته) الدبلوماسية. ولا ينفي المحامي نفسه أن موكله حمل قنبلة خطيرة على طائرة نمساوية من طهران إلى فيينا، ثم نقلها في سيارته مروراً بدولتين أوروبيتين إلى لوكسمبورغ، حيث سلمها إلى عميلين إرهابيين لزرعها في فيلبينت. وكان الأشخاص الثلاثة الآخرون تابعين بشكل مباشر لأسدي منذ عام 2015م، والذي سافر قبل عام من عملية فيلبينت الفاشلة مع رجل دين مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، محمد رضا زائري، إلى فرنسا في مهمة استطلاعية في قاعة المؤتمر فيلبينت الواقع في ضواحي باريس وكذلك فنادق سكن الضيوف الأجنبية للمؤتمر و...، وتم اتخاذ القرار بشأن هذه العملية على أعلى مستويات النظام، أي مجلس الأمن القومي الأعلى، برئاسة روحاني، وأصدر المرشد الأعلى علي خامنئي الموافقة النهائية. مصطلح (الحصانة الدبلوماسية) يعني أن الدبلوماسي محصن من الإجراءات القانونية العادية في أداء أنشطته، وهذا لا يعني أنه يمكنه استخدام هذا الوضع والقيام بتفجير القنابل أو تجنيد عملاء للاغتيالات، وهذا من شأنه أن يرقى إلى مستوى انتهاك صارخ للمعايير الدبلوماسية. ولسوء الحظ، فإن سنوات من الضعف من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه سلوك النظام الإيراني شجعت أسدي على القول للشرطة البلجيكية إن على بلجيكا أن تتوقع انتقاماً إذا حكمت المحكمة ضده. لذلك السوابق الماضية وخلفيات التعامل مع الملالي كانت فقط هي المسؤولة عن مثل هذه الوقاحة من جانب أسدي. وبعد اغتيال عبد الرحمن قاسملو في فيينا، أصيب أحد الإرهابيين يدعى محمد جعفري صحرارودي في مكان الحادث، وكان تحت مراقبة الشرطة في المستشفى، لكن بعد فترة اصطحب إلى المطار وأرسل إلى إيران!. وبعد اغتيال الدكتور كاظم رجوي تم إلقاء القبض على اثنين من القتلة بعد عامين في فرنسا، وعلى الرغم من طلب السويسريين تسليمهم، تم إرسالهما إلى طهران من قبل الحكومة الفرنسية، والتي تذرعت ب (مصالح الدولة)!، وحتى الإرهابيون المدانون من النظام تم إرسالهم إلى طهران بعد أن أمضوا عدة سنوات في السجن لتورطهم المحدد في اغتيالات في الخارج، وعلى سبيل المثال، من بينهم كاظم درابي وأنيس نقاش وعلي وكيلي راد، المشاركون في اغتيال بختيار. وفي حالات أخرى، نجح النظام الإيراني في تأمين الإفراج عن عملائه الإرهابيين من خلال الابتزاز، وفي أحدث حالة، أُطلق سراح ثلاثة مفجرين من فيلق القدس بقوات الحرس قُبض عليهم في هجوم إرهابي في بانكوك عام 2012م في تبادل رهائن مع أسير أسترالي، وكان في استقبالهم نائب وزير الخارجية عباس عراقجي لدى وصولهم إلى طهران. والدرس الذي يجب تعلمه من كل هذا هو أن الملالي يجب أن يدركوا أنهم لا يستطيعون التذرع بالحصانة الدبلوماسية من أجل الانخراط في الإرهاب مع الإفلات من العقاب، وسيكون هناك ثمن يتعين عليهم دفعه. وجدير بالذكر أنه عقدت جلسة الاستماع الثانية والأخيرة في محاكمة أسد الله أسدي، وثلاثة من شركائه البلجيكيين يوم الخميس 03 ديسمبر 2020م، في حين لم يمثل أسد الله أسدي الجلسة الثانية للمحكمة وكذلك في الأولى، وقال إنه يتمتع بحصانة دبلوماسية. ومن ناحية أخرى، وفي أعقاب هذه الفضيحة السياسية، أدانت وزارة خارجية النظام الإيراني اعتقاله ووصفته بأنه «انتهاك للحصانة الدبلوماسية»، وقالت إن المحكمة «ليس لها الأهلية في هذه القضية»، والعملية القضائية بسبب الحصانة الدبلوماسية للسيد أسدي و«المشكلات الأساسية في الشكل والمضمون» تفتقر إلى «الشرعية» وحتى إذا تم الحكم، فلن تعترف إيران بالحكم. علماً أنه سبق وأن حددت الشرطة الأوروبية أسد الله أسدي كواحد من كبار مسؤولي المخابرات الإيرانية في القارة، وأسد الله أسدي هو أول دبلوماسي إيراني وربما مسؤول استخباراتي كبير في النظام الإيراني يُحاكم بتهمة التورط في «عمل إرهابي على الأراضي الأوروبية». مخاوف النظام الإيراني إنّ الخوف المضاعف لنظام الملالي من محاكمة دبلوماسيه يعود إلى سوابق وتاريخ أسدي كرئيس لأجهزة وزارة المخابرات على مستوى أوروبا والعراق في تنفيذ العمليات الإرهابية، مما يُثبت للجميع الطبيعة الإرهابية لهذا النظام بصفته العراب للإرهاب الحكومي في العالم، لا سيما أن المحاكمة قد كشفت حقائق مهمة، ومن أهمها: وجهان سياسي وإرهابي: كشفت المحاكمة أن أداء واستراتيجية ولاية الفقيه على الساحة الخارجية كان لها وجهان سياسي وإرهابي، وكلاهما يكمل بعضه الآخر، في حين أن استخدام النظام لأجهزة وزارة الخارجية وسفاراته، خلال العقود الأربعة الماضية من أجل التقدم في الإرهاب وسياسة الابتزاز، لا سيما أنه خلال عام 2018م فقط تم طرد أكثر من ستة أشخاص من أعلى مسؤولي سفارات النظام على مستوى وزير من الدول الأوروبية المختلفة. تنفيذ عدة مخططات: إن نظام الملالي عمل على تنفيذ عدة مخططات ومؤامرات، من أجل منع عقد محكمة أسد الله أسدي، وتحريره قبل عقد أي محكمة، لأن النظام قلق من أنه في حال ذهاب القضية للمحكمة فإن القضية قد تأخذ أبعاداً أخرى، وتتكشف أعماله الإرهابية وتفضح. التهديد العلني للدول: سعى النظام الإيراني إلى التهديد العلني للدول المعنية بالقضية من أجل منع عقد جلسة المحاكمة للأسدي، إذ هددت صحيفة كيهان المقربة من الولي الفقيه بالرد بالمثل في هذه الحالة، كما نقلت صحيفة الوطن عن أبو الفضل ظهره وند السفير السابق للنظام في إيطاليا القول: «في ظل العمل غير المنطقي وغير القانوني الصادر من قبلهم لدينا حق المعاملة بالمثل، أي أنه إذا اعتقلوا دبلوماسينا يجب علينا أيضاً أن نعتقل دبلوماسيهم في طهران». ويضيف ظهره وند: «إذا كنت وزير الخارجية أو رئيس الجمهورية سأتصرف هكذا، إذا اعتقلوا دبلوماسينا سأقوم باعتقال دبلوماسيهم، وإذا طردوهم سأقوم بطردهم أيضا، هذا ما يعرف بالعمل بالمثل في كل أنحاء العالم». وخلال إحدى التحقيقات بين أسدي والشرطة البلجيكية في 12 مارس 2020م، حذر أسدي السلطات البلجيكية من أن هناك جماعات مجهولة في إيران والبلدان المجاورة تراقب قضيته عن كثب.. وأضاف: «إن الجماعات المسلحة في العراق ولبنان واليمن وسورية، وكذلك في إيران، مهتمة بنتيجة هذه القضية، وتراقب تطورات القضية على الهامش لمعرفة ما إذا كان البلجيكيون يدعمون القضية من عدمه». حقائق صارخة لأول مرة في تاريخ إيران الممتد على مدى أربعين عاماً، تم القبض على دبلوماسي عامل، يحمل معه أدلة ووثائق تدينه، متلبسا بالجرم ويقدم إلى العدالة، ولأول مرة، يكون نظام الملالي رمزياً في موقع المتهم، ويتم تمثيله ومحاكمته بشخص من يسمّى دبلوماسيًا». تأمل الديكتاتورية الحاكمة في إيران أن تتمكن من المناورة بنتيجة المحاكمة، سواء من خلال أخذ الرهائن أو أي شكل آخر من أشكال الابتزاز، وستستمر في ذلك لبعض الوقت. ونتيجة لذلك، فإن العمل السياسي الحاسم سيكسر سلسلة الابتزاز الحالية من خلال أخذ الرهائن. إن اتخاذ موقف سياسي قوي، مثل الموقف الأوروبي المشترك بشأن استدعاء جميع السفراء على غرار ما تم بعد قرار محكمة ميكونوس عام 1997م، سيذكر الملالي على الأقل بحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بانتهاكات تعسفية لسيادته وقيمه. ينبغي إدراج وزارة الاستخبارات والأمن بأكملها وقوات الحرس (IRGC)، وخاصة ذراعه خارج الأراضي، قوة القدس، في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية كوسيلة ملموسة لمنع مزيد من العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية. المحتوى السياسي أكد المدعي العام في لائحة الاتهام أن المؤامرة الإرهابية استهدفت الشخصية الرئيسة للمعارضة الإيرانية السيدة مريم رجوي، حيث استهدفت السيدة رجوي على وجه التحديد من قبل الملالي في عام 1995م في ألمانيا، وعام 1996م في باريس، وفي مارس 2018 في ألبانيا. قتل الملالي داخل إيران أكثر من 100 ألف عنصر من المقاومة الإيرانية لإسكاتها، وبما أنهم لم يتمكنوا من إسكاتها، فقد قرروا دفع الثمن الأعلى للقيام بمثل هذه العملية الضخمة ضد المعارضة. دفعت انتفاضة ديسمبر 2017م - يناير 2018م وما تلاها النظام إلى نقطة يحتاج فيها إلى استجابة دراماتيكية لإخمادها، ومن دون مثل هذه الاستجابة، فإن التنبؤات بالانتفاضات اللاحقة على فترات أقصر وبكثافة أكبر ستكون حتمية. تصريحات مسؤولي النظام والتي تتراوح من خامنئي الذي ألقى باللوم على المجاهدين في الانتفاضة، إلى وزير الأمن القومي الأعلى علي شمخاني وقادة قوات الحرس الذين هددوا بالانتقام، وكذلك الرئيس حسن روحاني الذي اشتكى لنظيره الفرنسي من تأثير المعارضة في الانتفاضات، تشير جميعها إلى أن النظام ألقى باللوم على المقاومة في تعهداتها الداخلية. المحتوى الجغرافي الاستراتيجي بعد أن انتقلت المقاومة الإيرانية إلى ألبانيا في موطنها الجديد، تغيّرت حتماً تكتيكات النظام الإيراني ضد المعارضة، وطالما كانت المقاومة متمركزة في العراق، فقد استخدم النظام مرتزقته المحليين بأقل تكلفة ممكنة لضرب المقاومة لإظهار ما يشبه القوة، كما فعل في عام 2009م، مما أدى إلى سقوط أكثر من 150 شخصاً من مجاهدي خلق ضحية الأعمال الإرهابية في العراق بين عامي 2009م و2016م. تم استخدام سفارات النظام الإيراني في أوروبا، لتنفيذ مؤامرات إرهابية ضد المعارضة، والتي كانت دائماً محور مؤامرات النظام الإرهابية لسنوات، على جدول الأعمال مرة أخرى بعد نقل الآلاف من أعضاء مجاهدي خلق إلى ألبانيا. بينما لم يكن هناك خلاف حول دور سفارات النظام في اغتيال الدكتور كاظم رجوي عام 1990م في سويسرا، ومحمد حسين نقدي عام 1993م في روما، والقادة الأكراد في مطعم ميكونوس ببرلين عام 1992م، والمعارض الكردي عبدالرحمن قاسملو في عام 1989م في فيينا، كان حكم محكمة برلين أثناء محاكمة ميكونوس، أكد تورط قادة النظام الإيراني بعمليات إرهابية، وبينما الإجراءات الأوروبية اللاحقة أجبرت طهران على وضع غطاء على الجوانب العملياتية لسفاراتها من حيث صلتها بأنشطة إرهابية، حتى إذا كان في المظهر فقط، ومع ذلك، استمرت هذه المراكز في التجسس وتجنيد المرتزقة ضد المقاومة الإيرانية، ومع نقل منظمة مجاهدي خلق إلى ألبانيا، نشهد إعادة تنشيط السفارات لأغراض عملياتية، بدءاً من سفارة النظام في ألبانيا. ختاماً.. انخرط النظام الإيراني في أعمال إرهابية خارج إيران على مدى الأربعين عاماً الماضية.. ومع ذلك، إنها المرة الأولى التي يُقبض فيها على أحد دبلوماسييه ويحاكم في دولة أوروبية بتهمة الإرهاب، مما أضفى الطابع المؤسسي على إرهاب النظام الإيراني، كما كان استخدام دبلوماسي كبير لتنفيذ تفجيرات إرهابية، والتسبب في حمام دم في أوروبا، أمراً استثنائياً، ولم يسمع به أحد، ما عكس قلقاً كبيراً لنظام طهران. وبينما ستستمر الإجراءات القضائية بمعزل عن أي تأثير سياسي، من الضروري أن تتخذ جميع الدول الأوروبية خطوات عملية لوقف إرهاب النظام الإيراني في أوروبا، وذلك من خلال إغلاق جميع السفارات والمراكز الدبلوماسية للنظام الإيراني، حيث تلعب هذه المكاتب دوراً حيوياً لا غنى عنه للنظام في تسهيل ودعم أنشطته الإرهابية، وطرد جميع عملائه تحت أي غطاء، واتخاذ خطوات لتقديم المسؤولين عن هذه الأعمال الإرهابية إلى العدالة. ولأن حكم المحكمة في 22 يناير 2021م، هو ختم قانوني دولي على قضية إرهاب نظام الملالي، يجب ألاّ يترك مجالاً لسياسات الاسترضاء والمساومة، ويضع العالم، وخصوصاً أوروبا، أمام اختبار كبير للاختيار بين العدالة والتجارة، وما إذا كانت الدول الأوروبية ستتخذ موقفاً حازماً ضد نظام جعل منها ساحة لأعماله الإرهابية. في يونيو 2017م، استأجر أسد الله أسدي سيارة مع أحد الملالي محمد رضا زائري لتحديد قاعة فيلبينت بالإضافة إلى الفنادق التي يقيم فيها الضيوف، وتمت مراقبة تحركات أسدي عن طريق ال GPS. وفي 26 يونيو 2017م، قرابة الساعة الخامسة والنصف مساءً، كان أمام أحد المباني التابعة لمنظمة مجاهدي خلق، وفقاً للمعلومات من نظام GPS، وكان أسدي في منطقة بالقرب من قاعة فيلبينت في 29 يونيو 2017م. وفي 09 يناير 2018م، هدد علي خامنئي المعارضة الإيرانية، واتهمهم بالتحريض على التظاهرات: «هذا لن يمر دون عقاب» وقال: «أولئك المتورطون الذين جرتهم عاطفتهم، سواء كانوا طلاباً أو غير طلاب، يجب التحدث إليهم وتوضيح الأمر لهم، لكن حساب المنافقين مختلف تماماً». وفي 17 مارس 2018م، بدأت خطة عمل أسدي الأولى في القطار بين فيينا وسالزبورغ، وناقش أسدي العملية مع نسيمة نعامي وأمير سعدوني. وفي 20 مارس 2018م، عملية التفجير أثناء مراسم عيد النوروز في ألبانيا، وتم اكتشاف مخطط العملية الإرهابية ضد مقر منظمة مجاهدي خلق في تيرانا وإحباطها من قبل الحكومة الألبانية، وكشف رئيس الوزراء الألباني إيدي راما عن القضية في 18 أبريل 2018م. وفي 22 يونيو 2018م، جرى نقل القنبلة من طهران إلى فيينا من قبل أسدي بواسطة رحلة الخطوط الجوية النمساوية OS872 في حقيبة دبلوماسية وضعها في مقصورة الشحن للطائرة Airbus A320 التي كانت تقل على متنها 240 راكباً، وأكد ذلك جهاز الأمن البلجيكي في بيان رسمي. وفي 28 يونيو 2018م، جرى اجتماع في لوكسمبورغ لتسليم القنبلة، حيث غادر سعدوني ونعامي منزلهما في الصباح وذهبا إلى لوكسمبورغ في سيارة مرسيدس، والتقا بأسدي في بيتزا هات في لوكسمبورغ، واستلما القنبلة وعادا إلى بلجيكا، وكان الثلاثة تحت مراقبة الشرطة، وفي هذا اللقاء منحهم أسدي مبلغاً كبيراً من المال يقدر ما بين 18000 و 22000 يورو، كما قدرها المراقب الأمني. وفي اليوم نفسه أصدر المدعي الاتحادي البلجيكي لائحة اتهام أولية بحق أمير سعدوني ونسيمه نعامي، مع توضيح التهم الموجهة إليهما وإصدار الأحكام القانونية ذات الصلة، وأمر بمراقبة 8 أرقام هواتف تخصهم. وفي 28 يونيو 2018م، حددت شرطة لوكسمبورغ هوية أسدي، وفي الساعة 4:00 مساء أوقفت دورية للشرطة على طريق لوكسمبورغ سيارة أسدي المتجهة إلى بلجيكا، وقبل التفتيش، أبلغ أسدي الشرطة أن جميع ركاب السيارة لديهم صفة دبلوماسية.. وأثناء التفتيش تعرفت الشرطة على شخصية أسد الله أسدي وزوجته ربابة أسدي وولديه حسين وعلي أسدي، وجميعهم يحملون جوازات سفر دبلوماسية.. وبعد تفتيش الشرطة، واصل أسدي طريقه ومن نفس المكان الذي غادر فيه سعدوني الحدود، غادر أسدي لوكسمبورغ وتوجه إلى مدينة لييج في بلجيكا، حيث مكث طوال الليل، وبقي الزوجان سعدوني ونعامي تحت المراقبة المستمرة للشرطة حتى ظهر يوم السبت 30 يونيو 2018م، عندما تم القبض عليهما. وفي 29 يونيو 2018م، قال جهاز الأمن البلجيكي في بيان إن هناك متورطاً آخر في المؤامرة يدعى عارفاني إلى جانب سعدوني ونعامي. وجاء في التقرير نفسه أن نسيمه نعامي لديها 15 ألف يورو نقداً في حقيبتها. وخلال تنصت على محادثة مع أسدي، قال سعدوني إنهم قاموا بتركيب مكونات القنبلة، ويرتبون للتواصل في الساعة 5:30 مساء في يوم الحفل وبعد العملية، وسيطلب منهم أسدي الذهاب إلى بلجيكا أو ألمانيا. وتوجّه سعدوني ونعامي إلى باريس لتنفيذ العملية، وركبا سيارة مرسيدس الساعة 11:20، وخلال هذه الفترة، حتى لحظة اعتقالهما كان سعدوني يقود السيارة، ونعامي تتبادل الرسائل مع أسدي وتخبره أننا ألقينا الجهاز و«سنحظى الكأس»! وتقول إنهم في طريقهم لتنفيذ العملية و«كل شيء على ما يرام». وعند إرسال هذه الرسائل المشبوهة، تقوم الشرطة بإبلاغ القاضي ويصدر القاضي أمراً بإيقافهما والقبض عليها الساعة 12:30، وأوقفت الشرطة مرسيدس سعدوني ونعامي واعتقلت ركابها، وتم العثور على القنبلة داخل سيارتهم. وحضرت وحدة خاصة لتفكيك المتفجرات إلى مكان الحادث مع مساعدة طبية متنقلة للتحقق من الوضع، وبعد اكتشاف القنبلة بواسطة الوحدة الخاصة، حاولوا بواسطة روبوت إبطال مفعولها، إلا أن القنبلة انفجرت دون قصد، وبتأثير الانفجار تم تدمير الروبوت، أصيب أحد أفراد وحدة الشرطة الخاصة بجروح، وأصدر قاضي التحقيق مذكرة توقيف بحق أسدي، كما صدرت مذكرة توقيف أوروبية بالقبض عليه في الوقت نفسه. ثم قامت الشرطة الفرنسية بتفتيش منزل عارفاني، ظهر اليوم نفسه، واعتقلته الساعة 7:10 مساءً في موقف سيارات فيلبينت، ونُقل مباشرة إلى المركز، وتبين أنه يعمل مع جهاز استخبارات النظام الإيراني. وفي 01 يوليو 2018م، جرى اعتقال أسد الله أسدي قرب مدينة أشافنبورغ بولاية بافاريا الألمانية، وطالبت بلجيكا بتسليم الدبلوماسي من قبل ألمانيا. وفي 02 يوليو 2018م، صدر بيان صحفي مشترك لمكتب المدعي العام الاتحادي وجهاز الأمن البلجيكي باتمام العملية، يشكر تعاون السلطات القضائية الفرنسية والألمانية مع السلطات البلجيكية، والذي مكّن من منع وقوع هجوم إرهابي. وفي 11 يوليو 2018م، قررت محكمة باريس تسليم مهرداد عارفاني لبلجيكا، وتم تسليمه من قبل فرنسا إلى السلطات البلجيكية في 20 يوليو 2018م. وفي 09 أكتوبر 2018م، تم تسليم أسد الله أسدي من ألمانيا إلى بلجيكا. ووافقت محكمة ولاية بامبرغ العليا الأسبوع الماضي على طلب (المدعي العام)، وتم استجواب أسدي في اليوم التالي 10 أكتوبر من قبل المدعي العام البلجيكي. وفي 19 ديسمبر 2018م، نشرت مملكة بلجيكا قائمة بأسماء المتورطين في عمليات غسيل الأموال الإرهابية في بلجيكا، أضيفت إليها أسماء أسد الله أسدي وأمير سعدوني ونسيمة نعمي. وفي 02 يناير 2019م، قضت المحكمة البلجيكية ضد استئناف محامي أسد الله، الذي دعا إلى الاعتراف بالحصانة الدبلوماسية لأسدي. وفي 22 ديسمبر 2019م، اعترف سفير النظام في ألمانيا علي ماجدي بالعملية الإرهابية، وذلك في مقابلة مفصلة مع وكالة أنباء إيسنا: «إن لدى الأوروبيين وثائق لا يمكننا إنكارها». وانتقد سياسة النظام في هذا الصدد، ونتيجة لذلك، رفعت مخابرات قوات الحرس دعوى قضائية ضده، وضد مدير وكالة أنباء الطلبة إيسنا، والصحفي الذي أجرى مقابلة معه. وفي 03 يونيو 2019، وجهت لائحة الاتهام الثالثة للمدعي العام الفيدرالي البلجيكي ضد المتهمين واتهامهم بالانتماء إلى منظمة أو جماعة إرهابية إلى المتهمين في هذه القضية. وفي 15 يوليو 2020م، عقدت الجلسة الأولى للمحكمة الابتدائية لمدة 15 دقيقة، أيدت المحكمة لائحة اتهام المدعي العام البلجيكي إيريك فان دير سيبت ضد المتهمين ب «محاولة مؤامرة إرهابية» و«التواطؤ في أنشطة إرهابية». وفي 30 يوليو 2020م، عقدت محاكمة ثانية في أنتويرب، وتم تحديد موعد جلسة المحكمة الرئيسة والمواعيد النهائية لتبادل اللوائح بين الأطراف. وفي 27 نوفمبر 2020م، بدء الجلسة الأولي للمحكمة والاستماع إلى لائحة المدعي العام ومحامي المدعين الخاصين، وطلب المدعي العام في أنتويرب السجن 20 عاماً لأسد الله أسدي، و18 عامًا لكل من أمير سعدوني ونسيمه نعامي، و15 عاماً لمهرداد عارفاني، كما طالب بتجريد الثلاثة من الجنسية البلجيكية، وأكد المدعي العام أن الهدف الرئيس للهجوم الإرهابي كان السيدة مريم رجوي. وفي 03 ديسمبر 2020م، عقدت الجلسة الثانية لمحاكمة المجرم أسد الله أسدي ورفاقه، وخُصصت الجلسة لمحامي المتهمين، في حين امتنع المتهم الرئيس (أسد الله أسدي) للمرة الثانية من حضور جلسة المحاكمة. وسيصدر الحکم النهائي للمحکمة في 22 يناير 2021م. نسيمة نعامي الدبلوماسي الإيراني أسد الله محاكمة انتويرب مهرداد عارفاني