درج كثير من الكتاب الكرام ومنذ سنوات عديدة على توجيه النقد اللاذع لنظامنا التعليمي، بالتركيز على الجانب السلبي وتعرية هذا الحقل من إنجازاته وعلى مدى عشرات السنين منذ بداياته والتي انطلقت على يد أول وزير تعليم بالمملكة وهو المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وحتى يومنا هذا في عهد الوزير الشاب الدكتور حمد آل الشيخ. في حين أن تعليمنا رغم ما يعتريه من نقص - كأي نشاط بشري - إلا أنه حقق قفزات واضحة المعالم خصوصا في وقتنا الراهن في الوسائل والأساليب والمقاربات المنهجية ضمن أطر ورؤى حديثه ومعاصرة أفرزت كفاءات أدارت دفة الوطن محققة إنجازات بارزة للعيان على كافة الصعد؛ لذلك علينا التوقف عن جلد الذات ولعن الظلام آلاف المرات والتوجه لإضاءة شموع المعرفة لهذا الحقل الذي ما برح يفرخ الكفاءات في مختلف التخصصات العلمية والمعرفية. إلا أننا نظل نبحث عن رؤى وأفكار وتطلعات تواكب مرحلة مابعد العولمة، وتستنير برؤية سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز 2030. والتعليم خاضع للتبدل والتطوير كأي صناعة؛ بل هو أجل الصناعات وأسماها؛ لأنه يتعلق بصناعة الإنسان ومسيرته ومستقبله، وبالتالي فهو خاضع للعصر وتحولاته الصناعية والتربوية والابستمولوجته. فمن ناحية الصناعة، فالتعليم يسير وفق منهجية محددة يسعى للارتقاء في هذا الجانب والعمل على توطين الصناعة في الوطن ابتداء من الإبرة فالسيارة، فالدبابة، فالصاروخ. وقد تجاوز الكثير من ذلك في مختلف الصناعات، بما فيها صناعة الدبابات. وشركاتنا على امتداد الوطن تشهد إنجازات صناعية لا يمكن تغافلها، وكلها بكفاءات وخبرات سعودية هي حصيلة مخرجات تعليمنا الذي يتحمل عبء مواكبة التطور الحضاري والتقدم التكنلوجيا لإعداد أجيال تواكب ذلك التطور في شتى المجالات. وفي المجال التربوي يجب أن يخضع تعليمنا لقضايانا المعاصرة، فالقضايا التربوية التي واجهت الأجيال السابقة أصبحت في عداد الماضي وتولدت قضايا عصرية أفرزتها الحياة الجديدة وأدواتها؛ لذلك علينا تحديد تلك القضايا وتشخيصها ودراستها وتحليلها والعمل على إيجاد حلول تناسب جيل اليوم الذي اختلفت أساليبه ومفاهيمه وطرائق الدخول إلى عالمه، وبالتالي العمل على معالجة تلك القضايا العصرية التي تمر بجيلنا الحالي، وهكذا تتفاوت المشكلات الشبابية من جيل إلى جيل، لذلك تظل معالجتها تخضع لآليات العصر وطرائقه. أما الجانب الابستمولجي فيتعلق بنظرية المعرفة وتفسيرها وأساليب الحصول عليها وصلتها بكل ما حولها من حقائق وتحليلها فلسفيا وارتباطها بما حولها من مفاهيم وأسباب. ويمكن الإشارة إلى مؤسس مصطلح الابستمولوجيا وهو الفيلسوف جيمس فريدريك فيرير والذي يعتبرها أحد فروع الفلسفة المعنية بطبيعة ونظام المعرفة وتفسيرها، وكيفية الحصول عليها، والصلة بينها وبين الحقائق الموجودة من حولها مع التركيز على التحليل الفلسفي لطبيعة المعرفة ومدى ارتباطها بمختلف المفاهيم، مثل: الحقيقة، والاعتقاد، والتبرير. إذا فنظرية المعرفة تعني بالقضايا التي لها علاقة بإنتاج ونشر المعرفة في مجالات معينة وهناك عدة أنواع من هذه المعرفة. وما أحوج جيلنا الجديد لدراسة الفلسفة والتي تفتح له آفاقا ذهنية واسعة قادرة على اختراق النظريات المعاصرة في كافة ميادين المعرفة، ودراسة الظواهر المرتبطة بالتفكير المجتمعي والتي تمتاز بالتأثر والتأثير في مسيرة الفكر والثقافة، الممهدة لخلق أجيال تمتاز بالعمق المعرفي والتحيل في التعاطي مع كافة القضايا الحياتية والفكرية التي تمر بالمجتمع الإنساني والتي هي جزء لا يتجزأ من قضايا المجتمع السعودي.