«رد الثأر» المحرك الرئيس وخارطة الطريق للسياسة الخارجية لطهران الميليشيات.. مفاتيح المشروع الطائفي للتغلغل في الدول المجاورة نظرية أم القرى.. أسمى الأهداف وغاية المنى تمكين المتناقضات.. انطلى على البسطاء وعزز التبعية ما نلمسه في واقعنا اليوم من إشكاليات في العلاقات العربية - الإيرانية، ليس إلاّ نتيجة لعقدة تاريخية متأصلة في الفكر الإيراني، مدعومة بنزعة قومية عنصرية تقوم على أوهام إحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة. وهذا الحافز الثنائي المتمثل بالتاريخ والقومية تحوّل إلى حافز ثلاثي مع نجاح ثورة الملالي، فدخل البعد المذهبي كمحرك ثالث لسياسة ولي الفقيه التي اتسمت بالإثارة والمراوغة وتوزيع الأدوار ما بين المرشد (الحاكم الحقيقي) والرئيس (الحاكم الصوري) واللعب على عامل الزمن، وقد انعكست هذه الملابسات على طبيعة السياسة الإيرانية الخارجية تجاه المنطقة العربية، متأثرة بالثوابت التي اعتمدتها كأساس لتحركاتها، فباتت إيران الفارسية تتلطى وراء إيران الشيعية، حيث شبّه الخميني سلطة الفقيه بسلطة النبي، ونصّب الخامنئي نفسه فقيهاً معصوماً وممثلاً لله على الأرض، وساهما في إرساء المذهب الشيعي بوصفه قوة دينية لحمل مشروعهما الفارسي القومي، ومن هنا بدأ الإرهاب وعمَّ الخراب. ثوابت تتسم السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة العربية بالتقية والإيهامات والمراوغات، ويتداخل فيها القومي بالديني والثوري بالبراغماتي، ولمعرفة طبيعتها لا بدّ لنا من معرفة الثوابت الأساسية المؤثرة فيها تجاه المنطقة العربية. أ. ثوابت تاريخية وجغرافية تُعدّ الثوابت التاريخية عاملاً مهماً في سياسة إيران الخارجية تجاه المنطقة العربية، وأساساً منهجياً في سياسة التوسع الخارجي، وتستخدم هذه الثوابت في تعبئة النشء الإيراني وطنياً وفكرياً، على مبدأ التعامل الفوقي مع العرب، منطلقة من العامل التاريخي، باعتبارها إمبراطورية فارسية حكمت أرضاً عربية، واتسمت بروح التوسع والهيمنة. وتمسكت إيران بتاريخها على حساب انتمائها الإسلامي، فقد استمرت في اعتماد الأشهر الإيرانية والأعياد القديمة (نوروز) التي ترتبط بالديانة الزرادشتية والأساطير المتعلقة بها حتى اليوم. وما يلفت النظر من إحياء نظام الملالي للطقوس الزرادشتية القديمة هو أنه في هذا التاريخ انتصر زرادشت على الشيطان، كما أحيا بعض الطقوس الأخرى كإشعال النار، والقفز من فوقها، والدعاء بالقول: «يا نار خذي مرضي وإصفراري، وامنحيني نورك وبهاءك» وتعرف هذه الطقوس بحفل إشعال النار (مرسم آتش أفروزي). وبما أن العرب المسلمين أنهوا وجود الامبراطورية الفارسية، ودكوا قلاعها، كان لهم نصيب كبير من الكراهية لدى متعصبي الفرس، وها هو الشاعر الفارسي الفردوسي الذي يتباهى به نظام الملالي يقول في الشاهنامه مستهزئاً بالعرب: «الكلب يشرب الماء البارد في أصفهان، والعربي يأكل الجراد في الصحراء»!، ويقول في أخرى متحسراً على الفتح الإسلامي لبلاد فارس: «بلغ الأمر بالعرب بعد شرب حليب الإبل وأكل الضب، أن يطلبوا تاج كسرى، فتباً لك يا زمان وسحقاً»!. لذلك نظام الملالي يولي المسألة التاريخية المقترنة بالديانة المجوسية أهمية كبيرة، وما القيادة الشيعية إلاّ عباءة للتستر على أهدافه الحقيقية المتمثلة بالقومية الفارسية التوسعية. كما تعد الثوابت الجغرافية من العوامل المؤثرة في السياسة الإيرانية الخارجية، ومن أكثر مقوماتها ثباتاً، إذ تقع على أكثر من منفذ بحري من جهة الشمال بحر قزوين، ومن الجنوب الغربي الخليج العربي، ما شجعها ذلك على الاتصال مع البحار المفتوحة، وخلق مشكلات معروفة مع الدول العربية المتشاطئة على الخليج العربي. ب. ثوابت إثنية ومذهبية لا شك أن التركيب الإثني للمجتمع الإيراني له تأثير كبير في السياستين الداخلية والخارجية، وقد أدرك النظام الإيراني أن استمرار بقاء الحكم الفارسي يكمن بالسيطرة على الإثنيات الأخرى، من خلال إثارة شعور الخوف لديها أو إخضاعها لتهديدات خارجية في حال سقطت الدولة الفارسية، والمقصود به العرب. وأن يكون ردّ الفعل الإيراني على هذا التهديد الخارجي من خلال السيطرة على بعض الأراضي العربية المجاورة، معتمداً مبدأ التوسع الخارجي مسوغاً لسياسة الهيمنة والسيطرة على القوميات غير الفارسية. كما استغل النظام الإيراني وجود بعض جالياته التي هاجرت بدوافع اقتصادية إلى المنطقة العربية، فأخذ يشجع كلّ من يريد الهجرة إلى تلك المناطق بشتى الوسائل، وتحديداً نحو سواحل الخليج العربي، لإحداث خلل ديموغرافي فيها على المدى البعيد، ثم التدخل في الشؤون العربية الداخلية. كما وجد النظام الإيراني في التشيّع متراساً يحمي هوية إيران القومية والثقافية، ووسيلة يخترق به الدول العربية والإسلامية. وما يقوم به النظام الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها من البلاد العربية يظهر بوضوح مدى استغلاله لهذه العامل المذهبي، حيث يعامل العربي الشيعي الأحوازي بمنطلق قومي عنصري، ويعامل السني الإيراني وإن كان فارسياً، من منطلق طائفي، ويرى العربي عدواً تاريخياً وثقافياً لا يوثق به، لكن في المقابل خارجياً يقوم على استغلال عواطف الشيعة وربطها بإيران من خلال خطاب طائفي، كما هو حاصل في العراقولبنان وسورية واليمن، وغيرها من الدول. أهداف منذ بدء مشروع تصدير ثورة الولي الفقيه إلى المنطقة العربية والعالم في عام 1979م وإلى يومنا هذا، والمشروع الصفوي يهدف إلى استثمار الجهود في العمل السري والعلني سياسياً ودينياً ولوجستياً لإقامة نفوذ صفوي استراتيجي قلبه إيران ذات مرجعية ولاية الفقيه، ويتحرك بروح وقوى الطائفية، ويتغطى بالعباءة الإسلامية المقاومة للولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك من خلال الآتي: أ. اختراق القاعدة الشيعية في المنطقة العربية اجتماعياً ومالياً وسياسياً. ب. عسكرة الطائفة الشيعية العربية، وإقامة نفوذ سياسي ومالي لمرجعياتها المرتبطة بالمشروع الإيراني. ج. العمل على إيجاد ميليشيات عسكرية وأحزاب سياسية شيعية قادرة على خلق هلال شيعي في المنطقة العربية لمحاصرتها. د. العمل على إيجاد تحالف عسكري مقاوم (شيعي - سني - قومي) ضد مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل كورقة سياسية لتحقيق مكاسب آنية ومستقبلية. أشكال أ. شكل استراتيجي لمد النفوذ، ومنع قيام قوة عربية تشكل جبهة ضد إيران، وأساسها يقوم على توقيع تحالفات عسكرية إثنية مع النظام السوري، ومع الميليشيات الشيعية في العراق لتأمين السيطرة عليه بشكل دائم، ومع ميليشيا الحوثي لزعزعة أمن واستقرار اليمن ومنطقة الخليج العربي، إضافة إلى تحالفات مع حركة الإخوان الإرهابية كحماس وغيرها، والعمل على تقاطع المصالح مع تنظيم القاعدة وداعش في استهداف الدول العربية ومصالح الولاياتالمتحدة على الرغم من التباين الثقافي الواضح بين فكر المتحالفين. ب. شكل إيديولوجي لبث التشيّع، ومحاولة ضم المذاهب الشيعية المختلفة إلى مذهب ولي الفقيه، وربطهم به، وإقامة هلال شيعي يبدأ من العراق وينتهي في لبنان، وتطويق المملكة كأكبر قوة إقليمية بحزام ذي طابع مذهبي، إضافة إلى تشكيل حواجز فاصلة بين الدول الإسلامية. ج. شكل اقتصادي لتحويل إيران إلى قوة اقتصادية كبرى، من خلال بناء تحالفات اقتصادية تخضع للهيمنة الإيرانية، إضافة إلى إنشاء شركات إيرانية استثمارية في الدول العربية، سواء أكانت نظامية أم بأسماء وهمية، لاستنزاف اقتصاداتها بكل الطرق الممكنة. وسائل أنشأت إيران مكاتب وأوجدت آليات في سبيل إنجاح مشروعها، ومن أهمها: أ. مكتب أركان شهداء النهضة الإسلامية، والذي يتبع مباشرة لمكتب ولي الفقيه، والمسؤول عن تنفيذ إستراتيجية تصدير الثورة من خلال عقد مؤتمرات سرية لتنظيمات عربية وإسلامية، وكذلك المسؤول عن تجنيد الانتحاريين. ب. فيلق القدس التابع للحرس الثوري لدعم الميليشيات الإرهابية في العراق واليمن وسورية ولبنان. ج. المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، والذي يقوم على احتواء السُّنة، سواء أكان ذلك علماء أم ساسة أم مفكرون أم منظمات أم جمهور. د. المجمع العالمي لأهل البيت، والذي يختص في نشر التشيّع بالعالم، لا سيما في المنطقة العربية والإسلامية، ورعاية الطائفة ومرجعياتها. ه. لجنة ثلاثية مكونة من نائب وزير الخارجية، ورئيس الحرس الثوري، ورئيس الاستخبارات متصلة بالمرشد مباشرة، وبميزانيات مالية ضخمة، لإدارة الصراع وتحقيق المصالح في العراق وسورية واليمن ولبنان. و. دعم الميليشيات الشيعية العسكرية الإرهابية في المنطقة العربية، إضافة إلى الكثير من الأحزاب السياسية، والمشاركة في احتفالاتها ومناسباتها عبر شخصيات إيرانية تضفي عليها الشرعية الإسلامية والعالمية. ز. زرع السفارات الإيرانية بعناصر استخباراتية وعسكرية، لإدارة الحراك السياسي للتنظيمات الإرهابية في القضايا المختلفة، والقيام بعمليات تجسس استخباراتية ضد المصالح العربية والأميركية والغربية. ح. إنشاء مئات المحطات الفضائية السياسية والدينية، ودعمها مباشرة من أموال المرجعيات، لنشر الرؤية السياسية للمشروع الإيراني. ط. العمل على التغيير الديموغرافي في العراق وسورية ولبنان وغيرها، وذلك بمختلف الطرق الترهيبية والترغيبية بما يحقق الأغلبية السكانية الشيعية فيها، مما شكّل خطراً داهماً على النسيج الاجتماعي والسياسي في المنطقة العربية خدمةً لمصالح المشروع الإيراني ومكاسبه. سمات من أهم سمات المشروع الإيراني أنه يتصف بالحدة والصلابة وطول النفس، لذلك يسعى إلى الآتي: أ. الهيمنة والتمدد عن طريق إيقاد العاطفة والحماسة الدينية لدى الشيعة العرب، لا سيما ذوي الثقافة البسيطة، وزرع الرغبة والاستعداد لديهم بالتضحية في سبيل المذهبية على حساب أدوارهم الوطنية. ب. تقديس المعممين وتأليههم، وإطلاق العديد من الألقاب عليهم كبحر العلوم، وكاشف الغطاء وختم النبوة وسر الإله، وروح الإله.. إلخ. ج. إنشاء مجلس حراسة الدستور وتشخيص مصلحة النظام والذي تعلو سلطته على سلطات مؤسسات الدولة كافة، ويتبعه الحرس الثوري الإيراني الأقوى تدريباً وعتاداً من الجيش، ليمثل سطوة المعممين في السيطرة على مفاصل الدولة. د. الاستناد على مبدأ التقية القائم على قيم الخداع والمراوغة والتخفي، فترى النظام الإيراني يتحدث بلغة الدبلوماسية أمام المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه يتحدث بلغة التهديد والوعيد والتطرّف الديني، بما يؤكد دهاء وخبث هذا النظام الإجرامي. ه. الاستناد إلى مفهوم الإمامة، ومحاولة اعتلاء منصة الإسلام والتحدّث باسمه، واستخدام مفردات كالاستعلاء الغربي، ومقاومة الاستعمار، وتسقط أميركا، واستغلال القضية الفلسطينية لكسب تعاطف المسلمين. و. توجيه معظم الموارد المالية الإيرانية إلى الإنفاق على المشروع النووي، ودعم الإرهاب، بما يؤكد إصرارهم الكبير على إتمام مشروعهم الإمبراطوري القومي. ز. التمدد الشيعي المتنوع في العالم بحسب طبيعة كل دولة، وذلك من خلال تأسيس تجمعات أقلوية صغيرة في مناطق محددة تتم السيطرة عليها لاحقاً، كما حدث في لبنان وسورية والعراق خلال السنوات الماضية. وأحياناً يستخدم النظام الإيراني الترهيب والإكراه واستغلال الظروف والحاجة للسكن والغذاء والكساء والعلاج كما حدث في إفريقيا وجنوب آسيا، بما يكشف خطورة المشروع على العقيدة التي تمثل العمود الفقري والركيزة الأساسية في الثقافة العربية والإسلامية، إضافة إلى غزو ثقافي يحدث تغييراً جذرياً في البنى الفكرية قد يمتد أثره لأجيال طويلة. استراتيجية في ثمانينات القرن العشرين، وضعت إيران لبنات مشروع (الإستراتيجية الوطنية - نظرية أم القرى)، والذي يعطي إيران هالة من القدسية في العالم الإسلامي من أجل تحقيق التمدد الإقليمي وفرض الهيمنة. ووفقاً للإستراتيجية، فمن المفترض أن تحظى إيران بخصوصية على المستوى الدولي، وتتحول إلى قوة دولية ومصدر إلهام للعالم الإسلامي، على أن ينعكس ذلك إقليمياً. لذلك يمثل كتاب «مقولات في الاستراتيجية الوطنية» لمؤلفه محمد جواد لاريجاني خريطة طريق للسياسة الإيرانية التوسعية، لا سيما في المنطقة العربية والإسلامية، ولعلّ أهم المقولات في الكتاب «نظرية أم القرى الإيرانية» التي أبرزت لاريجاني وجعلته يوصف بأنه من أهم العقول التي تصيغ السياسة الخارجية التوسعية الإيرانية. ومن اللافت أن مشروع الولي الفقيه لا يخرج عن الطموحات القديمة الشاهنشاهية، بل زاد عليها طابعاً آخر وهو ارتداء العباءة الإسلامية، ويؤكد ذلك أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد ثورة الملالي، في برنامج (زيارة خاصة) على محطة الجزيرة القطرية في 17 يناير 2000م: «كان الخميني يقول إنه يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على العالم الإسلامي، وكان هذا الحزام يتألف من إيرانوالعراق وسورية ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج العربي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي». ويشرح اللواء محسن رضائي قائد الحرس الثوري الإيراني السابق وأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام إستراتيجية الأمن القومي الإيراني خلال العقد القادم، ومعنى مصطلح (المنطقة) خلال حديثه عن هذه الاستراتيجية، فيقول: «عندما أتحدث عن المنطقة فهذا يعني جنوب غربي آسيا (دول الخليج العربي)، التركيز على هذه المنطقة بالتحديد لأنني أعتقد أن لديها قدرات كبيرة تتعدى بحجمها منطقة الشرق الأوسط، كما أن تركيز الجهود على هذه المنطقة يوفر قدرات كبيرة جداً في الحفاظ على الأمن القومي لإيران». ويقول كيهان برزكار مدير مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، والمقرب من الحرس الثوري، في مقال له نشرته فصلية العرب وإيران العدد 26 عام 2011م: «من بين المناطق المهمة المجاورة لإيران في الشرق الأوسط، فإن لمنطقة الخليج أهميتها القصوى في التنمية والأمن ومصالح إيران القومية، وينبغي أن تكون على رأس نشاطات سياسة إيران الخارجية، فالخليج هو الطريق الأساس لارتباط إيران بالعالم الحر، ولتصدير الطاقة، واستيراد البضائع، وحفظ أمن الطاقة، ونقطة الاتصال بآسيا الجنوبية والشرقية، ومن ناحية أخرى فإن حضور إيران الفعال في القضايا السياسية والأمنية للخليج! والعراق والعالم العربي يزيد من قدرة إيران في القضايا الإقليمية وفي علاقتها مع القوى الكبرى. ويضيف: «ولما كانت قضايا إيران مرتبطة بالقضايا العالمية؛ فإن تقوية الإقليمية وزيادة مساحة دور إيران ونفوذها يمكنه أن يخدم أهداف التوسع». ولقد اتضح من هذه النظرية التي تبناها نظام الملالي ويتزين بها كخارطة طريق أنها في الحقيقة الطريق إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة عبر التوسع الصفوي الذي يسعى إلى التقليل من دور هاتين المدينتين وتحويل قم وطهران كبديلين لهما، ولعل من أهم بنود نظرية أم القرى ما يلي: أ. إنّ إيران ستكون مركز منطقة جنوب غربي آسيا (تكرر الوثيقة استخدام هذا المصطلح لتتجنب ذكر العرب مباشرة) بالنظر إلى قوتها وقدراتها الوطنية ومكانتها الجغرافية السياسية والجغرافية الاستراتيجية الاقتصادية ودورها الاتصالي، كما ستلعب إيران دور قيادة التنظيم السياسي والاقتصادي والأمني لهذه المنطقة. ب.إن (قم وطهران) عليهما مسؤوليات وواجبات تجاه العالم الإسلامي تتمثل في أن يخضع الجميع لولاية الفقيه، وأن تصبح (قم) دار الإسلام هي أم القرى، وهذا حسب النظرية لا يتحقق إلا بالسيطرة على مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وهذا ما يعملون على تحقيقه من خلال بناء جيش قوي وتدخل سافر في المنطقة العربية، إضافة إلى جمع المعلومات من خلال تجنيد الجواسيس وبذل المال. ج. تعميم ولاية الفقيه على كل بلاد الإسلام، ووجوب الالتزام به، باعتباره ركناً من أركان الإسلام في معتقدهم يسبق في أهميته أركان الإسلام الخمسة، ويحرم الخروج على ولاية الفقيه بأي حال من الأحوال مهما كانت المبررات، لأن ذلك أهم أركان الإسلام، ومن دونه يعدّ إسلام المرء غير مكتمل!. كما أن ولاية الفقيه تعدّ أساس قيادة العالم الإسلامي، وسيكون الولي خليفة المسلمين، ولهذا يعد النظام الصفوي الخميني نقطة البداية والمنطلق نحو تحقيق الوحدة الإسلامية. د. إنّ نظرية أم القرى الإيرانية المزعومة تعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل إزالة الحدود الحالية، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة في الوقت المناسب، وهذه النظرية لا تكاد تخلو خطبة جمعة في أي مدينة إيرانية من الإشارة إليها، بالتصريح أو التلميح حسب مقتضى الحال. ه. لم تعد نظرية أم القرى نظرية بقدر ما أصبحت مشروعاً قومياً فارسياً رسمياً غير معلن، لكن تنفيذ أجندته على أرض الواقع بارزة تماماً، خصوصاً على الأرض العربية، والآن تقف إيران إلى جانب الأسد في قتل الشعب السوري، وتدعم حزب الله ذراع الحرس الثوري الإيراني في احتلال لبنان، وتدعم الحوثيين في قتل الشعب اليمني، وتحتل العراق عبر أحزابها وميليشياتها الإرهابية، وتتواجد في الجزر الإريترية في البحر الأحمر، كما تشكّل خلايا مذهبية نائمة في المنطقة العربية تستفيد منها وقت اللزوم. و. البروز عالمياً، وبما يعكس إحساساً بأنها قوة ليس إقليمية فحسب بل عالمية، لأنها موجودة في قضايا المنطقة العربية والإسلامية كلّها، وأعين الدول دائماً عليها، وسيجعل إيران شريكاً أساسياً مع القوى العظمى في الجلوس على طاولة المفاوضات، الأمر يرفع من شأنها على الصعيد الدولي. ز. السيطرة على المنطقة العربية تجعل من إيران قوة اقتصادية عالمية، ويعطيها ذلك مفتاح التحكم بمصير الدول الأخرى. تفعيل يواصل نظام الملالي طوال العقود الماضية مع الطائفة الشيعية العربية عبر تنظيمات سياسية، ومرجعيات دينية، وتكوين قواعد مجتمعية لها في المنطقة العربية، لأجل إيجاد محتوى جماهيري طائفي يحمي مصالحها، ويساندها في مواقفها ومشروعاتها، واعتمد على سلسلة طويلة ومعقدة من السياسات والأدوات لتفعيل مشروعه، ومن أهم هذه الأدوات ما يلي: أ. الخطاب الشعبوي، وهو خطاب يتمحور حول مهاجمة إسرائيل وتعظيم شأن فلسطين دون أن يعكس ذلك حقيقة الأمر على أرض الواقع، وذلك من أجل تحريك الشارع العربي واستقطابه لتقبل السيطرة الإيرانية لاحقاً تحت شعار مقاومة إسرائيل، بينما تُريد من ذلك فعلياً زعزعة أمن المنطقة العربية، وضرب العلاقة ما بين حكامها الشرعيين والشعوب. وأسس النظام الإيراني مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية، ورأسه علي أكبر محتشمي بور المؤسس الأول لحزب الله في لبنان والسفير الإيراني الأسبق في سورية. ويعقد المؤتمر في طهران مرة كل عام، ويجري فيه دعوة قيادات فصائل فلسطينية، وتنظيمات إسلامية وقومية عربية، وثقافيون وصحفيون من عدة دول عربية وإسلامية أغلبهم عاطل عن العمل، ويتم إغراؤهم بالهدايا والهبات المالية، والمساعدة على إيجاد وظائف لهم في بلدانهم حتى يصبحوا مرتبطين بالمشروع الإيراني من حيث يعلمون أو لا يعلمون. ويُشرف على المؤتمر لجنة مشتركة مكونة من السفير الإيراني في دمشق، ومدير مكتب المخابرات، وممثل عن المرشد الأعلى، وممثل عن فيلق القدس. وقد نشر موقع (تابناك) التابع لأمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي في 20 أكتوبر 2012م، مقالة بعنوان: «بعد وزارة النفط، الخارجية في قبضة الحرس الثوري»، تطرقت فيه إلى دور الحرس الثوري في السيطرة على وزارة الخارجية بعد تعيين عدد كبير من ضباط الحرس الثوري في الوزارة وبعثاتها الدبلوماسية، كالسفير الإيراني الأسبق في العراق حسن كاظم قمي، وأيضاً السفير السابق حسن دانافار، والسفير الراهن إيرج مسجدي، وجميعهم ضباط في فيلق القدس. ب. البرغماتية، حيث الغاية تبرر الوسيلة، فأتاحت للنظام الإيراني عقد صفقات مع قوى كبرى بعد استدراجهم في مواجهات على الساحات العربية، ومن أهمها ما عُرف باسم (الصفقة الكبرى) مع الولاياتالمتحدة. وقد انتهج النظام الإيراني سياسة إدارة المصالح المتعارضة في مواقع عديدة، حيث تعاون مع إسرائيل في حرب العراق واغتيال علمائه، لكن حاربها في لبنان عبر حزب الله، ثم ساعد الولاياتالمتحدة على إسقاط نظام طالبان، لكنه حارب الولاياتالمتحدة في العراق عبر الأحزاب والميليشيات الشيعية والقاعدة، وهذه الإستراتيجية يرى النظام الإيراني أنها حققت مكاسب باعتباره رقماًً صعباً لا يمكن تجاوزه في المنطقة. ج. خلق الأذرع الإرهابية، حيث احتضن النظام الإيران جميع القوى الشيعية العربية السياسية والعسكرية، والقوى السنية كحماس والجهاد الإسلامي، والقاعدة وغيرها من القوى، ما دامت هذه القوى تخدم مشروعه على المدى الطويل. ويأتي ذلك في إطار زعزعة أمن الدول العربية من خلال خلق ميليشيات إرهابية، وجعلها واقعاً عملياً، كتنظيم حزب الله اللبناني الذي يفتخر أمينه حسن نصرالله أن يكون فرداً تابعاً للولي الفقيه في إيران، وميليشيا الحوثي في اليمن، وميليشيات الحشد الشعبي الحاضرة في العراق وسورية، أما البلدان التي لا يتواجد فيها الشيعة، فيتم التعويل على حركات إسلامية تحت شعار المقاومة لاستخدامها مطيّة لتحقيق الهدف الحقيقي للأجندة الإيرانية القومية، إضافة إلى التمدد في الداخل العربي عبر فيلق القدس والحرس الثوري. د. تعزيز القدرات العسكرية، حيث اعتمد النظام الإيراني على تطوير قدراته العسكرية الصاروخية الدفاعية والهجومية، إضافة إلى تطوير المشروع النووي كضامن رادع لبقاء النظام، واستمرار تدخله الإقليمي. ورصد بعد الحرب العراقية ما يقارب من عشرات المليارات من الدولارات للتطوير العسكري، ولشراء أسلحة إستراتيجية تمكنه من التوازن الإقليمي. الغزو الثقافي يمكننا رصد مجموعة من الاستراتيجيات التي يستند إليها النظام الإيراني كسبيل لغزوه الثقافي للمنطقة العربية، وذلك لتمهيد الأرض وتهيئة النفوس لتلقي المذهب الشيعي، وترقّب وصول المهدي المنتظر، لتخليص البشرية من ظلمها. ومن المؤكد أن الغزو الثقافي هو أخطر أنواع الغزو، لأن الغزو العسكري يزول بخروج الغازي، لكن الغزو الثقافي يتعامل مع هوية المجتمع ولغته وثقافته وعقيدته وقيمه وأعرافه وتقاليده وتاريخه، ويتغلغل داخل الحياة الثقافية والدينية والتربوية والاجتماعية، فيهدد الأمن والاستقرار وبقاء الإنسان، ومن أهم أشكاله: أ. كسب التعاطف الشعبي، وذلك من خلال تصوير النجاح والإنجازات المتحققة من مقاومة المشروع الصهيو - أميركي في المنطقة، وتحمّل المسؤولية، فيما يتعاون النظام الإيراني مع الولاياتالمتحدة في أفغانستانوالعراق، ويمنع المقاومة الفلسطينية في لبنان من الوصول إلى الحدود الفلسطينية. ب. نشر الفلسفة العقدية ولو بالقوة، ويتجسد ذلك في المبالغة في حب وتقديس آل البيت، من خلال المسارات الإعلامية والمناسبات الدينية والوطنية والاحتفالات الشعبية التي يحرص النظام الإيراني على تقديمها بشكل إعلامي كبير، (عاشوراء، يوم الأسير، يوم القدس، ذكرى حرب جنوبلبنان...). وكما هو حاصل في العراق في مجال التربية والتعليم، حيث يتم تحويل مدارس السنة إلى مدارس شيعية، ثم فصل المدرسين السنة واستبدالهم بآخرين شيعة، وإجبار الطلاب على ممارسة الطقوس الشيعية، والأمر امتدّ إلى المدارس العراقية في الخارج، ما دفع العديد من الدول إلى سحب تراخيص هذه المدارس وإغلاقها. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على سورية، حيث يُخيَّر المواطن السوري في مناطقه المحتلة من قبل إيران بين التشيّع أو الموت، وفي أحسن الأحوال التهجير. ج. التمدد الثقافي، ويكون هذا التمدد عبر نشر المراكز الثقافية الشيعية والكتب والمنشورات، والفعاليات والطقوس الدينية، والمشاركة في معارض الكتب، كما هو حاصل في العراق وسورية ولبنان، ما أدى إلى منع إيران في الاستمرار بهذه الأساليب في المغرب ومصر والأردن وغيرها من الدول. د. الغزو الإعلامي، أطلقت إيران قمراً صناعياً في عام 2011م، في مدار النايل سات المصري، وذلك لنشر وتمكين الثقافة الإيرانية والفكر الشيعي لدى المشاهد العربي، وخصصت ميزانيات ضخمة أمام المئات من القنوات الشيعية لهذا الغرض، إضافة إلى تسويق الدراما الإيرانية المدبلجة إلى العربية، ولا أدلّ على ذلك من قناة (آي فيلم) التي تبث برامجها من دمشق، وغيرها الكثير الذي لا يواجه المشاهد عناء في البحث عنها. ختاماً.. لقد استطاع النظام الإيراني في ظل غياب مشروع عربي موحد لمواجهته، من تحقيق الكثير من حلقات مخططه في المنطقة العربية، وتمكّن من بناء الخلايا الإرهابية والشبكات التجسسية. كما استطاع أن يبني شركات ومؤسسات تجارية واقتصادية مع أفراد وجماعات محلية في الدول العربية، وعمل على استغلالها في تنفيذ مآربه الخاصة. ونشر برامجه الثقافية في وسط شرائح من مجتمعاتنا العربية بكلّ سهولة، وعلى الرغم من كلّ هذه الاختراقات التي أحدثها بقي في مناطق عربية معروفة بمأمن من أيّ ردات فعل تجاه أفعاله التخريبية، لا سيما أن لدى الدول العربية أوراقاً كثيرة تشكّل نقاط ضغط فعلية ورادعة تجاه سلوكه الإجرامي، ولكن من المؤسف أنه قد جرى إغفال هذه الأوراق، ولم تفعّل بالشكل المطلوب لغاية الآن. جندت إيران ممثلي النظام السوري لخدمة المشروع الإيراني علي لاريجاني رسم مخطط الشر الإيراني للفتك بالمنطقة