الدقيقة في عالم التقنية تعني ملايين التحديثات والتنبيهات، إنها حالة من الزخم المعلوماتي ينتشر في أرجاء العالم الافتراضي. الكل يتابع الجديد بنهم وشراهة، سباق محموم تنافسي على تغذية قنوات التقنية بحراكنا اليومي المعتاد، تتبعها ملايين الإشعارات تضيء هواتفنا كل لحظة، حياة تقنية لا تعرف السكون ولا الراحة، ومعها كل عقولنا وقلوبنا، حتى تحولنا إلى تسارع غريب، ولحظات كلمح البصر تختفي بشكل مفاجئ، ومعها كل البدايات ومشاعر الدهشة وابتساماتنا، ونظراتنا التي لم نعد نفهمها. مفاهيم السرعة هي أهم مرتكزات العملية التسويقية للتقنية في السنوات الأخيرة، يتزايد معها التنافس الحاد لضخ المزيد من التقنيات في الأسواق، وتغيير الأطر التقليدية للأجهزة لتصبح أكثر استجابة لرغباتنا في التواصل ونشر المعلومة واستقبالها والتفاعل معها، لكن السؤال البديهي، ماذا يعني ذلك لعقولنا، وأجسامنا، وطبيعة حياتنا؟ هل تلقي هذا الزخم المعلوماتي يمر من خلالنا مرور الكرام؟ أو له تأثيرات وانعكاسات لا نلاحظها إلا بعد مرور الزمن؟ وإذا كان ثمة ضرورة لتوقفنا لوقت قصير عن استخدام الأجهزة الذكية متى يجب فعلاً أن نتوقف ونتمتع بإجازة نعانق فيها الطبيعة ونستمتع بالأشياء دون توثيقها؟ هذا سؤال يجب أن نعطيه قدره من التفكير، فيبدو أنه من الواجب والضروري أن نتخذ قرارات مهمة تحافظ على ما تبقى من أعمارنا، ونذهب بأنفسنا بعيداً عن ضوضاء الشاشة الذكية، وتنبيهاتها المشتتة التي سرقت أهم لحظات حياتنا، وبدلاً من رؤيتها على الطبيعة أصبحنا نراها من خلف الشاشات، بل لم نستمتع حتى بكتابة سيناريوهاتها، واكتفينا بدور المتفرج. اليوم مستوى الراحة الذي ننشده لأجسادنا هو في مدى اتساع المسافة الآمنة بيننا وبين الأجهزة، فإن كنا نريد نوماً عميقاً وابتسامة حقيقية فلنجعل الهواتف خارج غرفنا، وإن أردنا أن نستمتع بجلسة ما فلنمنع ذبذبات الأبراج من وصولها إلينا، سنتحمل الدقائق البسيطة التي نمنح فيها أنفسنا إجازة من ملاحقة مستجدات العالم الافتراضي، ونخفف من إرهاق التقنية، ونمتلك مساحتنا الخاصة لنعيش الحياة على طبيعتها، ونستمع إلى أصوات محيطنا، ونرى جمال الأشياء، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ندركها أمام زحمة التفاصيل وتسارع الخطى دون أن نسترق النظر إلى إشعار، أو نقرأ ما لا يهمنا، أو حتى نصوب عدستنا لتوثيق اللحظات والتفاصيل دون عيشها لتبقى فقط حبيسة "ذكريات" التطبيقات التي تذكرنا بها بين فترة وأخرى، وكأنها تعيد الأسى لقلوبنا لعدم استمتاعنا بها، وتحمّلنا مسؤولية فقدانها وانشغالنا بطريقة إخراجها للآخرين.