في بداية الثمانينات الميلادية قدم هابرماس «نظرية الفعل التواصلي» الذي ترجم للعربية حديثا من قبل المفكر التونسي فتحي المسكيني. هابرماس المعروف ب (شراهة متعددة الاختصاصات) كانت نظرية الفعل التواصلي تمثل منعطفا فلسفيا مهما راجع فيه معظم أطروحات الفكر الفلسفي الغربي والسيسيولوجي وعلوم الاتصال، ناقش فيها الكثير من المفكرين والفلاسفة وصنع عبر حواره معهم «الترسيمة المفاهيمية» لأطروحته من ماكس فيبر، وهوركهايمر، وأدرنو، وجورج ميد، ودوركايم وبياجيه، وزعماء التدوالية المعاصرة أمثال: أوستن وسيرل؛ ليؤصل لمفهوم العقل التواصلي. عبر نظرية تصبو إلى نزع المركزية تجاه رؤيتنا للعالم من خلال اختبار صلاحية نظرتنا في الحوار الإتيقي وهو التتويج الذي سيضعه في فلسفة التواصل. المعمار النظري الذي بنى عليه رؤيته سوسيولجيا هو نقده لماكس فيبر ومنزعه التشاؤمي حول العقلانية ونزع السحر عن العالم حيث سيقوم بتفعيله لخاصية المعنى والقصد للفعل الإنساني عنده. ومن خلال هربرت ميد عالم الاجتماع الأميركي الذي أخذ عنه فكرة دور الآخر في تشكيل الأنا ومعالجة بارسونز في إخفاقات منهجيات التأويل. ومنطلقات فلسفية من كانط في فلسفته الأخلاقية طارحا مبدأ الأخلاقية الكلية بديلاً عن أخلاقيات الواجب وأخلاقيات المنفعة. ومن محاضرات هيجل في فيينا التي طرح فيها مفهوم (الاعتراف المتبادل) حيث الإنسان يعرف ذاته من خلال الآخر. ومن ماركس في مفهومه للممارسة والعمل كشرط ترانسدنتالي للمعرفة والتجربة، وعبر الأبحاث المتعددة لبياجيه وكولبرغ ومن خلال مفهوم هوسرل في فكرة العالم المعيش التي يفرق فيها هوسرل بين حقائق العالم المعيش كحقائق تاريخية وتجارب مرتبطة بسياقات معينة وبين حقائق العالم الموضوعي التي تتسم بطابع كوني. ومن فلسفة اللغة مع أوستين وسيرل وفيتغنشتاين بالتحديد ضمن المنعطف اللغوي للفلسفة مع الفلسفة التحليلية وإعادة صياغة النظريات السيوسيولجية التي ساجلها. بعد الاستغلاقات التي وقع فيها العقل الأداتي الغربي عبر أبرز ممثليه بيكون وديكارت وأوغست كونت أتت نظرية الفعل التواصلي لتتجاوز تمركزات العقل حول ذاته والعقل الشمولي والمنغلق في محاولة لبلورة نوع من التوافق والإجماع العقلاني بعيدا عن الإكراه والهيمنة. تأتي أهمية العقل التواصلي بعد المنعطفات الكبيرة التي مرت بها الفلسفة من بدايات القرن العشرين متسلحة هذه النظرية بالمعطيات التطبيقية للعلوم الإنسانية. تم تتويج نظرية الفعل التواصلي من هابرماس بأخلاقيات المناقشة وطبيعي أن لا تأتي الفلسفة الأخلاقية في بداية المشوار الفلسفي لأنها تطمح أن تكون أخلاقية في نهاية الأمر. أخلاقيات المناقشة عند هابرماس افترضت احتواءها على المعقولية ضمن الشروط اللغوية، وحقيقة ومضمون ما يقال ومصداقية التلفظ. رغم المؤاخذات على صعوبة إمكانية حدوث مثل هذا النوع من التواصل إلا أننا لا نعدم حدوثه إذا تجاوزنا الحاجز اللغوي الذي لم يعد صعبا في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والتقني. نظرية الفعل التواصلي لم تكن بعيدة عن انهمامات هابرماس السابقة سواء في (التحول البنيوي في الفضاء العمومي) و(المعرفة والمصلحة) و(العلم والتقنية كأيديولوجيا). يقول هابرماس: «العقل التواصلي يتميز كعملية من خلال النية في الإقناع وأن يحصل أيضا بواسطة تعبير ما على موافقة جماعية فهو يعتبر محاولتها إنهاء النقاش حول ادعاءات افتراضية بالصلاحية». مارس هابرماس العديد من الحوارات الموسعة سواء مع بوبر في فلسفة العلم أو غادامير في الهرمينوطيقا وفلاسفة الاختلاف كان مساعدا لأدرنو في معهد العلوم الاجتماعية وهو يمثل الجيل الثاني من مدرسة فرانكفورت رغم انفصاله عنهم، أصبح أكثر اقترابا من روح الأنوار، وهو من كتاباته المتقدمة في نقد العقل الغربي. بدأ بنقد الفجوة الكبيرة بين النظرية والتطبيق التي تقاطعت مع اشتغالات الفينمومينولوجيا باتجاه إعادة التفكير في نظرية نقد المجتمع التي تمتد جذورها من هيجل وماركس، وخلص إلى صياغة مفهومية تواصلية؛ تسعى لإعطاء أولية للتواصل، مضيفا للعقل وظيفة أخرى عبر التواصل المتجذر في كل أشكال الخطاب اليومية، محيلا العقل إلى فاعلية مبلورا إجماعا يضفي على ذاتية الفرد جماعيته عبر التواصل والتفاهم مبني على أساس عقلاني بعد أفول الأخلاق التقليدية في الغرب. بالتالي إخضاع القناعات والآراء للنقاش لتحقق شرط الموضوعية والنزاهة والاتفاق بعيدا عن العنف اللفظي.