قبل دخول عصر مواقع التواصل الاجتماعي، كان هنالك مدير تحرير يشرف على ملحق في صحيفة عربية شهيرة، واستطاع أن يحقق نجاحات كبيرة ويرفع مبيعات الصحيفة ويبني اسماً مميزاً للملحق الذي يشرف عليه ولاسمه كمدير تحرير وإعلامي مميز خطف الأضواء من زملائه في الصحيفة ومنافسيه في الصحف الأخرى، ومع تغير رئيس التحرير انطلق الحاسدون والحاقدون كأسراب الذئاب الضاريات من الكهوف وبدؤوا بتأليب رئيس التحرير الجديد عليه، والذي بدوره راح يضيق الخناق ويفتعل المشكلات ويقيد من مساحة الإبداع لمدير التحرير الناجح، هذه الظروف اضطرت مدير التحرير لتقديم استقالته، ولكنه كتب مقالته الأخيرة في الملحق ليقدم شكره الجزيل وعرفانه لرئيس التحرير الجديد والسابق وكل زملائه في الصحيفة دون التطرق ولو بحرف واحد لما تعرض له من مضايقات وأذى، هذا التعامل الراقي والسلوك الحكيم فتح المجال لمدير التحرير ليعمل في صحيفة أخرى وينطلق بعدها ليكتب نجاحاته في عالم الفضائيات، مقالة اليوم تناقش آداب الوداع والاستقالة الذكية... خلال تجربتي المهنية بين اليابان والمملكة، مرت علي أكثر من حالة لأشخاص كانوا متمكنين ومنجزين ولديهم فرص كبيرة للوصول لأعلى المراتب الوظيفية، ولكنهم ضيعوا فرص النجاح بسبب الغرور الذي أعمى بصائرهم وتفكيرهم، والاستعجال والطمع في الكراسي والمناصب، والدخول في متاهات الشكاوى الكيدية والصراعات مع زملائهم ومديريهم ومرؤوسيهم ظناً منهم أنهم يستحقون مراتب أعلى وسلطات أكثر، وبالطبع كانت جميع تلك المحاولات تنتهي بالفشل لأنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وغالباً ما كانوا يغادرون المنظمات حكومية كانت أو خاصة بشكل سيئ وعلاقات مدمرة وصورة مؤسفة. ومؤخراً، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الخطر أكبر كما في حالة من يتذمر من مديريه وزملائه ويوجه لهم الشتائم والإهانات عبر المنصات الاجتماعية وهو لا يعرف أنه يرتكب جرائم إلكترونية ويدمر مستقبله المهني والوظيفي عبر الإضرار بنفسه، والسبب أنه لا مكان عمله الحالي سيقبل بهكذا سلوكيات معيبة ولا أي مكان جديد سيقبل بتوظيف أشخاص من هذه العينة أو يمنحهم أي نوع من الثقة التي ضيعوها، ومن لا يحترم الآخرين لا يستحق أي نوع من الاحترام... وبالمقابل، ولكل شخص طموح يروم النجاح والتميز، فأذكر ثلاث نصائح ذهبية لي في بداية مسيرتي المهنية أكرمني بها معالي د. محمد السالم، مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا، حين قال لي: * لا تحارب من أجل الفوز بالمنصب. * دع أعمالك ونجاحاتك تتكلم عنك. * لا تستعجل وتذكر أن الطريق إلى القمة يكون خطوة بخطوة. وأختم بكلمات د. مؤيد الثقفي: "إن لم تكن تعمل في الوظيفة التي تحبها، حاول أن تحب الوظيفة التي أنت بها الآن، وضع خطة حتى تنتقل للوظيفة التي تحبها بكل هدوء ومنطقية وبدون خسائر".