لم يعد العالم بعد جائحة كورونا هو نفسه الذي كان قبله، كل شيء حولنا يتبدل، المتغيرات العالمية والإقليمية تفرض واقعاً جديداً، والمتطلبات المحلية تحفزنا أن نكون أكثر مرونة، وتدفعنا إلى إعادة النظر في بعض القرارات التي قد تكون الآن «منتهية الصلاحية»، أو عرضة للتآكل بعد شهور من الجلوس في البيت، والصمت الرهيب الذي فرضه فيروس كورونا القاتل. الحرب الدائرة حالياً ضد التستر، والنجاحات التي حققتها البيئة الاستثمارية في المملكة، والتي نفذت ما نسبته 55 % من أكثر من 300 إصلاح اقتصادي خاضعة للمعالجة، جاءت في النهاية بمبادرة مهمة ستكون بمثابة (الضربة الأخيرة) للقضاء على المتسترين، وهي «مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية»، التي تستهدف في المقام الأول بناء سوق عمل جاذبة وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية وتطوير بيئة العمل. علاوة على الخدمات الثلاث التي أعلنت عنها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لدى إطلاق المبادرة، كونها تتيح خدمة التنقل الوظيفي، وتطوير آليات الخروج والعودة والخروج النهائي، وتشمل جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص، ضمن ضوابط محددة تراعي حقوق طرفي العلاقة التعاقدية، فإنها تعكس حرص المملكة على حفظ حقوق العمالة الأجنبية، وتعد إضافة مفيدة لنظام حماية الأجور الهادف إلى توفير بيئة عمل مناسبة وآمنة في القطاع الخاص، من حيث رفع مستوى الشفافية وحفظ حقوق الأطراف المتعاقدة. أتوقع أن تلعب المبادرة دوراً كبيراً في القضاء على التستر، وتنظيم العلاقة التعاقدية لصالح سوق العمل السعودي في ظل وجود نسبة كبيرة من الأجانب في السعودية يتجاوز عددها 13 مليون نسمة، والقراءة الأولية تؤكد أنها تزخر بكم كبير من الفوائد، بدءًا بالحد من المشاكل العمالية التي تحدث عادة بين أرباب العمل والعمل إما لإخلال أرباب العمل بالتزاماتهم أو العكس، فقد رصدت الإحصائيات 153 ألف قضية عمالية في آخر 3 أعوام، وقدت استغلت للأسف العديد من الجهات الخارجية المعادية هذه القضايا لتشويه صورة المملكة ونقل رسائل خاطئة. من المهم أن نذكر أيضاً أن المبادرة بصورتها المعلن عنها، ستحد من التباين في الإجراءات التعاقدية للعامل السعودي مقابل العامل الوافد، وسينعكس ذلك بدوره ايجابياً على توطين الوظائف وتحسين البيئة المنتجة للمزيد من الفرص الملائمة، وستسهم بشكل كبير في وقف مشكلة بيع التأشيرات وتحد من عمليات التستر وهما مشكلتان تصنفان ضمن أبرز المعوقات التي تؤثر على اقتصاد المملكة. نؤمل كثيراً على مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية لموظفي القطاع الخاص في إنهاء معظم مشاكل أرباب العمل والعمال، وخصوصاً في معضلة تأخر تسليم الأجور للعاملين، وهي مشكلة متفاقمة يكفي دلالة عليها تسجيل 1.2 مليون حالة تأخير خلال الثلاثة أعوام الماضية، ونطمح أن تساهم بمشيئة الله على دعم ترتيب المملكة على مؤشر مرونة سوق العمل العالمي وتجعله الأكثر جذباً للمستثمرين.