تناولت الأخبار الثقافية في الأسبوع الماضي عودة الكاتب النيجيري الكبير وول سوينكا (Wole Soyinka 86 عاماً) إلى كتابة الرواية من خلال عمل جديد أسماه Chronicles of the Happiest People on Earth (قصة أسعد شعب على الأرض)، والذي رفض أن ينشرها بداية إلا في بلده قبيل نهاية هذا العام في دار بوك كرافت، فيما ستصدر الطبعات الدولية لها في بداية العام المقبل، وكان سوينكا (وهو أول إفريقي يفوز بجائزة نوبل للآداب في العام 1986) قد كتب من قبل روايتين فقط: كانت الأولى في منتصف الستينيات من القرن الماضي وهي الأشهر بعنوان The Interpreters، وقد ترجمت للعربية بعنوانين مختلفين (المفسرون) ثم لاحقاً (التراجمة)، بالرغم من أن المترجم واحد في الحالتين وهو الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف. أما الرواية الثانية والتي نشرها سوينكا في بداية السبعينات فكانت Season of Anomy، وقد ترجمت قبل الأولى عن طريق عبدالكريم ناصيف بعنوان (موسم الفوضى). يقول الناشر: إن الرواية الجديدة احتوت على كل شيء: الصداقة والخيانة، والإيمان والغدر، والأمل والسخرية، والقتل والفوضى، ولا تخلو كذلك من الدراما، وكل هذه انعكاسات لما يجري في نيجيريا المعاصرة في صورة بانورامية مثيرة، فضلاً عن اشتمالها العديد من الشخصيات شديدة الاختلاف. وقد صرّح الكاتب المسرحي والشاعر والسجين السابق أنه استفاد شخصياً من فترة الإغلاق التي فرضها انتشار وباء كوفيد-19 في كتابة الرواية وحشد الأفكار لها، بالرغم من مزاحمته لها بعمل مسرحي معتاد. وقبل هذا كانت علاقة "شكسبير إفريقيا" - والذي ركزت معظم أعماله على قمع وانتهاك القوي للضعيف - بالرواية قد انقطعت لانشغاله بالمسرح الذي اشتهر به وكذا الشعر ولو بصورة أقل، وهو لا يعتبر نفسه روائياً، بل إن شهرته الأدبية كانت من خلال الكتابة للمسرح، ولكنه يصنف نفسه كذلك بالشاعر، وإن كانت قصائده الأولى هزيلة باعترافه. وفي أكثر من مناسبة، كان سوينكا يبرر هذا التوازي في ابتعاده عن الرواية والتزامه بالمسرح وشيء من الشعر بالقول: "أكتب المسرح ربما لأنني قادم من مجتمع غني بالتقاليد المسرحية، ومنذ طفولتي أرى الأشكال المسرحية التي أصبحت لي وسيلة تعبيرية منطقية لكل ما أشعر به، لكن فيما بعد أخذت القصيدة تقوم بهذا الدور، أما الرواية فهي كانت بالنسبة لي عبارة عن حادثة، وفي الحقيقة، لا أعتبر نفسي روائياً". والواضح أن سوينكا لن يحيد عن خطه الروائي القديم كما صرّح. فأعماله الروائية كما المسرحية والشعرية، تركّز على أهمية حرية الفرد وتسخيرها لمنفعة المجتمع، ثم وهذه من العلامات المميزة في كل أعماله، إصراره على إبراز الجذور والتقاليد الإفريقية للقارة السمراء كمبادئ منطقية وعقلانية يرى أنها كفيلة بتسيير السلوك البشري هناك. والمعروف عن سوينكا أنه لا ينغمس في التجارب الإنسانية لذاتها فقط، ولا يوظّف الرواية لمجرّد اعتبارها وسيلة لتقديم صورة مباشرة للتوترات والتجاذبات التي تشهدها الصراعات الحديثة في إفريقيا، بل في دمج طقوس القارة وأساطيرها في رواياته، وهذا ما أبرزه شخصياً في كتابه المهم (الأسطورة والأدب والعالم الإفريقي) والصادر عن المشروع القومي للترجمة في القاهرة قبل عدة سنوات، كما أنه يطالب كثيراً العمل بروح الجماعة والشعور المشترك في سبيل المحافظة على لحمة المجتمع وترابطه. رواية سوينكا الجديدة لم يظهر لها تفاصيل بعد، لا عن حبكتها ولا أبطالها، سوى أن أحداثها تجري في بلاده، ننتظر هذا العمل لنستكشف الحلقات المفقودة طوال هذه السنين ومعرفة أسلوب سوينكا الحالي في الرواية والذي أجزم أن فيه تغييراً كبيراً رغم يقيني بوجود المفاتيح الشهيرة لمعظم أعماله: توظيف الأساطير، وإبرازه للتقاليد، وشجبه للدكتاتوريات الإفريقية دون خوف.