نتفوّه باليوم العديد من الكلمات، نواجه الكثير من المواقف العابرة والسطحية، الأمر الخفي هو أنّ ليسَ كل ما يحدث سطحي وعابر كما نعتقد! بعض الكلمات تعبرنا وتقف عند غيرنا، نمشي بجوارها بخفّة وكأنها لمْ تكن، ويعلق غيرنا عندها لمدة لا يعلمها إلا الله. بالأمس نصحتُ أختي الصغيرة بشكلٍ عابر، قلتُ لها: لديكِ الآن حديقة وأنتِ المسؤولة عنها، كل أمر جيّد ستفعلينه سينبُت بها ويتجلى في أرضها، كل مرة ستُنجزين بها مهام مُوكّلة إليكِ ستنبتُ وردة، بمختلف الألوان والأشكال، كما أنّ مواصلتك لعمَلك الروتيني وعدم تهاونك أو تراجعك سيساعدكِ على سُقيا نبات حديقتك؛ فينمو بشكلٍ أسرع، ويتفرّع. سأَلَتني، وإن لمْ أفعل؟ هي تعرفُ الإجابة جيّدًا، لكنها تريدُ سمعاها؛ لتُعزّزها بداخلها! قلتُ لا شيء، لا أشجار، ولا أزهار، ولا ثمار! باختصار ستجفُّ الحديقة. قلتُ ذلك على عجلٍ وأنا مُنهمِكة في أمرٍ آخر، لتعود في اليوم التالي وتخبرني بحماسة بأنّ كلامي ترك بداخلها أثرًا بالغًا، وأنّها تهتم بحديقتها، وأنّها مقبلة على الإنجاز كما لمْ تفعل مِن قبل، هي لمْ تقل تلك الكلمات فحسب، بلْ رأيتُها بعينيها، كما لو أنّها وجدت الوقود الذي يُساعدها على السير، الشغف الذي جعلها تحوِّل الصعب إلى سهل، تشعُر بلذة ما تفعله أكثر ممّا تتذمّر وتتشكّى، في الحقيقة كان الكلامُ عابرًا بالنسبة لي وليس لها. كمْ يحدث ذلك في حياتنا! كم شخص يذهبُ محمّلًا بما قلناه ونحنُ لا ندري! كم هي مسؤولية فردية عظيمة مُسنَدة إلى عاتق كلّ منا؟ كم هو ضروري أن يختار الإنسان بعناية ما يقول، وأن يعرف متى وكيف يقول؟ "مازلتُ أؤمن بقوة الكلمة" ردّدتها في السابق كثيرًا، واليوم أجدّد إيماني بها. إنَّ للكلمة قوة كامنة وخفيّة، فهي قادرة على أن تبني وتهدم، قادرة على أن تُعيشك أجواء الربيع وأنت في عزِّ الخريف، وأن تُشعرك بالاطمئنان وتُرتّب بداخلك ما خلّفه الفيضان، الكلمة قادرة على أن تجعلكَ تمشي بعد أن كنتَ توقفت لزمنٍ طويل، الكلمة تُحرّكك، تُوجّهك، تأخُذ بيدكَ إلى حُلمك الأكبر. الكلمة الداعمة ثروة عظيمة تُمنح بأقل جهد، فامنحها لمَن حولك بحُبٍّ ومودة، وبنيّة طيبة. صدقني ليسَ هناك أسمى من أنْ تكون كلماتك شريكة في نجاح أحدهم، قِف عند الجملة واستشعرها قليلًا.