العالم مليء بالتحديات، ولا ينجح في هذه الحياة إلا الذين يقررون مواجهة التحديات مهما كبرت، وكلما زادت هذه الصفة في شخص ما كان نصيبه أكبر من نجاحات هذا العالم المليء بالتناقضات.. وأستكمل في هذه المقالة قراءاتي لكتاب (خواطر وعبر) للمفكر الإسلامي وحيد الدين خان، حيث يقول تحت عنوان (محاسبة الغير): إن معظم المسلمين اليوم هم أبطال في محاسبة "الآخرين"، ولكنهم ينسون محاسبة أنفسهم، والتفكير في أنفسهم، فنجد أن هذه الفئة لديها قائمة طويلة عن مجرمين ومذنبين من "الآخرين"، بينما لا أحد يملك قائمة بذنوبه وانحرافاته وتقصيره. ويعود ليؤكد أن المجتمعات التي يتمتع أفرادها بمزاج "محاسبة الذات" تكون أمورها كلها صحيحة وسليمة، أما المجتمعات التي يكتسب أفرادها مزاج "محاسبة الغير" فإن شؤونها تتدهور ومصالحها تضيع، فلديهم قدرة فائقة على معالجة وتحليل البعيد الذي لا يخصهم، ولكنهم غير قادرين على معرفة جوانب القصور في دواخلهم. وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم نجد أن الفاشلين في مسيرتهم الحياتية هم الذي يلقون بتبعاتهم إلى الغير، فيتفننون في محاسبة الآخرين، وتتبع زلاتهم، ومعرفة جوانب قصورهم، ولكنهم ينسون محاسبة أنفسهم، وربما ينطبق عليهم قول الشاعر: لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن فمحاسبة النفس بعيداً عن التفكير فيما لدى الآخرين هي سبيل النجاح في حياة مليئة بالتحديات والإخفاقات بين وقت وآخر. وفي موضع آخر وبعنوان (إنه تحدٍ وليس ظلماً) يقول الكاتب: "هناك أسلوبان لرد الفعل حين تواجه سلوكاً معادياً، الأول أن تعتبره ظلماً، والثاني أن تعتبره تحدياً، ولو اعتبرته ظلماً فستنطلق شاكياً محتجاً، أما لو اعتبرته تحدياً فستنطلق مواجهاً، فالعقلية الشاكية ترى أن مجال عملها لا يتعدى الصراخ ضد الجانب الآخر، أما العقلية المواجهة فتنطلق مباشرة نحو العمل، فالتحدي والمواجهة يوقدان الكفايات الكامنة في صاحبها فتعطيه همة جديدة تمكنه من التغلب على من يواجهه. ومن يتغذى على الشكوى والاحتجاج فلا مصير له إلا الدمار، أما الذي ينشغل بالبحث عن التدبير عند مواجهة المشكلات فسوف ينتصر حتماً في نهاية الأمر فلكل عقدة حل في هذا العالم ولكل مشكلة تدبير". ويقول أيضاً: إن أفراد الشعوب الحية يفكرون على منوال: ماذا ينبغي عليّ أن أفعله، أما لو بدأ أفراد أمة ما يبحثون "عما يجب على الآخرين أن يقوموا به" فأعرف أن تلك الأمة في حالة احتضار، إن حركتها حركة "نزع"، وليست حركة "حياة". وفي موضوع (حافظ على المسافة) يقول: الإنسان لا يعيش وحيداً في هذا العالم، بل هو يقضي حياته محاطاً بعدد كبير من البشر، وكل إنسان من هؤلاء يسعى لتحقيق أهدافه الشخصية، وكل إنسان هنا يحمل بعض الأماني، ويريد أن يسبق الآخرين في مسيرة الحياة.. وهذا الوضع يتطلب منا أن نتمسك دائماً بمبدأ حافظ على المسافة في حياتنا، وأن نحافظ على بعد معقول من الآخرين لكي نواصل مسيرتنا دون الاصطدام بأحد. وأكثر ما يعيق الإنسان لتحقيق أهدافه الشخصية هو ثقته المفرطة في أناس يفاجأ بعد حين أنهم من يزرعون في طريقه الشوك غيرة أو حسداً، ولهذا دائماً وجود مسافة بينك وبين الآخرين يجعلك قادراً على العودة مجدداً عند حدوث أي عقبات في سبيل تحقيق أهدافك. وحول أهمية الوقت يقول: إنك لو لم تضيع "الدقيقة من وقتك فستنجو الساعة"، من الضياع تلقائياً، فالساعة تتكون من عدد من الدقائق، فالإنسان الذي يراعي "الجزء" هو الذي يراعي "الكل"، فالجزء عبارة عن تجمع الجزء تلو الجزء، والناس عامة ينسون الجزء والقليل بحثاً عن الكل والكثير، ويركزون أذهانهم على الكثير لدرجة أنها تتجاهل القليل، والنتيجة النهائية أن مثل هؤلاء لا يحصلون على شيء في نهاية الأمر. وفي موضوع عن تقبل المخاطر يشير الكاتب إلى أنه لا يمكن للإنسان النجاح ما لم يتقبل المخاطر، فالمخاطر توقظ قوى الإنسان كاملة، وتجعل من شخص عادي إنساناً غير عادي حيث يستيقظ الاستعداد الفطري المودع في شخصيته فيضطره ضغط الأحوال ليتحرك ويسخر كل قوته لحل المشكلات والصعاب التي يواجهها، فحياة العافية تبدو هادئة في ظاهر الأمر، ولكن الإنسان يدفع الثمن غالياً لركونه إلى حياة العافية، إذ تبقى شخصيته ناقصة، وهو بالتالي لن يصل إلى درجات الرقي التي بإمكانه الوصول إليها. العالم مليء بالتحديات، ولا ينجح في هذه الحياة إلا الذين يقررون مواجهة التحديات مهما كبرت، وكلما زادت هذه الصفة في شخص ما كان نصيبه أكبر من نجاحات هذا العالم المليء بالتناقضات. وفعلاً هذه هي الحياة، والناس فيها ينقسمون بين فئة يتوقفون عند الشكوى والتذمر، وفئة أخرى تدفعهم التحديات إلى المضي قدماً لمواجهتها وتحقيق النجاح، وهذا هو الفرق بين الإنسان الناجح والفاشل.