فرق التفكير بين من يواجه الحياة ومن يجعل الحياة تواجهه، فيقف عند كل عقبة حتى لو كانت بسيطة فيلوم الظروف، ويتخذ لنفسه الأعذار الواهية، ونسي أنه هو السبب في عدم اكتشافه سر الحياة الهانئة.. بين يدي كتاب صغير الحجم بعنوان (خواطر وعبر) كتبه المفكر الهندي المسلم وحيد الدين خان قبل أكثر من 25 سنة ونشرته مكتبة العبيكان. ويتناول الكتاب في موضوعات قصيرة ومركزة لا يزيد كل موضوع منها على صفحة واحدة إلى صفحتين على الأكثر، شؤون الحياة اليومية، والطريقة الأمثل للتعامل مع الآخرين، وكيفية التعامل مع المشكلات التي تواجه الإنسان في مسيرة حياته في صياغة أدبية لطيفة وسلسلة تنم عن خبرة طويلة في الحياة، ومعرفة بخفاياها، وسبر لأغوارها. والمفكر وحيد الدين خان لمن لا يعرفه هو مفكر إسلامي هندي شغل رئيس تحرير الجمعية الأسبوعية في دلهي العام 1967 لمدة سبع سنوات، وفي أكتوبر سنة (1976) أصدر مجلة (الرسالة)، وله عدد من المؤلفات المشهورة والتي تمت ترجمتها من اللغتين الأردية والإنجليزية إلى العربية عن طريق ابنه الدكتور ظفر الإسلام خان، ومن ضمنها كتابنا هذا. ومن ضمن مؤلفاته وأشهرها كتاب (الإسلام يتحدى)، و(سقوط الماركسية)، و(الدين في مواجهة العلم)، و(حكمة الدين)، و(تجديد الدين)، و(الإسلام والعصر الحديث)، و(قضية البعث الإسلامي)، و(الإنسان القرآني)، و(واقعنا في ضوء الإسلام)، كما أن له مؤلفات أخرى لم تترجم إلى العربية منها (محمد رسول الغلبة)، و(ظهور الإسلام)، و(الله أكبر)، إضافة إلى تفسير القرآن الكريم (تذكير القرآن) حيث يصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من خمسين كتاباً، هذا خلاف آلاف المقالات المنشورة وغير المنشورة في الصحف والمجلات. ويتميز وحيد الدين خان بسعة أفقه وعمق ثقافته الإسلامية الناتجة عن قراءاته المعمقة، وانفتاحه على الثقافات الأخرى، إضافة إلى متابعته المستمرة لما يحدث في العالم الإسلامي في وقته، حتى إنه استطاع الجمع بين المنهج الإسلامي المنفتح، والمنهج العلمي الفلسفي في معظم كتاباته، وصاغها بلغة أدبية راقية. اشتمل كتاب (خواطر وعبر) على 46 موضوعاً قصيراً في 113 صفحة تنوعت بين أسرار النجاح في الحياة، والحياة المسلمة، ودروس من التاريخ. وفي كل موضوع من هذه الموضوعات يأتي بقصة من التاريخ، أو قصة معاصرة ويربطها مع واقع الحياة. وسأقتصر في قراءتي ل(خواطر وعبر) على ما تناوله في باب (أسرار الحياة) والتي جاءت في (14) موضوعاً، فتحت عنوان (ليس بالارتجال) يقول وحيد الدين: "إن من الممكن أن تبني مستقبلاً خيالياً للأمة بفيضانات الشعارات والخطب والقصائد الحماسية، ولكن لا يمكن تعمير مستقبل حقيقي للأمة بدون جهد مخطط طويل الأجل، فتعمير الأمة كزرع شجرة البلوط، حيث عليك أن تنتظر قرناً كاملاً بعد زرع الشجرة حتى تصبح شجرة مكتملة عملاقة، وإذا كنا نريد أن تصبح أمتنا قوية راسخة فلابد أن نخلق في أنفسنا عزيمة الجهد المخطط الطويل الأمد، أما الذين يريدون أن يصلوا للهدف النهائي بمجرد البداية، فعليهم أن يعرفوا أن جهدهم هذا ليس سوى وثبة قصيرة ومؤقتة نهايتها الموت والفناء ولا شيء غير ذلك". وهذا فعلاً ما نفتقد إليه في كثير من مجتمعاتنا المسلمة وهو التخطيط المنظم الطويل الأمد، حتى إن التفكير في معظم الأحيان ينحو منحى الآنية والسرعة، وكأننا لا نحتاج إلى المستقبل الذي هو هدفنا جميعاً، فتأتي خططنا واستراتيجياتنا سريعة ومتعجلة ويتوقف معظمها بعد مرور فترة قصيرة نظراً لأنها لم تحظ بفكرة التخطيط طويل الأجل. ويقول في عنوان (فرق التفكير): "لا سبيل للحياة والنجاة في ظل وجود واقع يجمع الخير والشر إلا أن يتبنى الإنسان مبدأ البحث عن النجاة رغم أنف العراقيل، فعليه أن يستميل الناس رغم مخالفتهم إياه، كما أن عليه أن يسعى لاكتشاف سر الحياة الهانئة رغم الآلام، ومهما بلغت العداوات والمؤامرات ضده، فهي في النهاية شيء طبيعي في النفس البشرية، ولهذا على الإنسان أن يمضي قدماً في الحياة مؤمناً أنه بأعماله الإيجابية قادر على سحق كل العوامل السلبية التي قد تواجهه في مسيرته". وهذا هو فعلاً فرق التفكير بين من يواجه الحياة ومن يجعل الحياة تواجهه، فيقف عند كل عقبة حتى لو كانت بسيطة فيلوم الظروف، ويتخذ لنفسه الأعذار الواهية، ونسي أنه هو السبب في عدم اكتشافه سر الحياة الهانئة، مع أن الحياة بطبيعتها هي في الواقع حياة مكابدة ومواجهة في كل شيء قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) سورة البلد آية (4)، فلماذا نستسلم للظروف ونجعلها هي شغلنا الشاغل، ولا نتعلم من النجاحات والإخفاقات في هذه الدنيا لتحقيق ما نصبو إليه.