يحاول الإنسان إشباع حاجته إلى تقدير الذات من خلال المعرفة أو إدعاء المعرفة -إن أردنا أن نكون أكثر صراحةً- إذ يخجل البعض من قول (لا أعرف) أو من ملازمة الصمت عند الجهل، وخاصة في الفضاءات الحرة الأكثر حرية في طرح الآراء والمشاركة بالمعرفة -وإن لم تكن صحيحة أو ترجع إلى مصدر رسمي على الأقل- فحين نعود إليه وندخل بشكل عشوائي في إحدى هذه الوسائل الرائجة خلال ساعة أو ساعات في اليوم والليلة سنجد العجب العجاب من التنظير والضخ المعلوماتي المفتقر للمصدر والمصداقية، وهو ما يجعل هذا الوسائل أرضا خصبة لضخ معلومات مزيفة لتشويش المتابعين بعلة أني أعلم كل شيء وهنا نفتقد المصدر الحقيقي. معلومات تاريخية مضروبة، إفتاء ديني، نصائح طبية، تحليلات سياسية، تنظيرات اجتماعية، أدلجة ثقافية، شروحات فنية، نقد عام، تعليقات رياضية، هذا ما قد تجده اليوم في منصات التواصل الاجتماعي مع العلم أن غالبية من يتحدثون لا يملكون الاطلاع الكافي، وليسوا من المتخصصين، ولكنها الرغبة في إشباع تلك الذات من خلال التنظير والظهور أمام الملأ في شكلٍ يوحي بسعة المعرفة وكثافة الاطلاع، وهذا ما يجعلني في كل مرة، وحين أستقي معلومة من هذه المواقع أذهب لمراجعتها وتقصي مدى صحتها من المصادر الرئيسة لها كالحسابات الإخبارية الرسمية والمراجع المعتمدة ولا أتفاجأ حين أجدها معلومة خاطئة أو محرفة عن مواضعها وسياقاتها. الطريف في الأمر أن الأكثرية من أولئك المبتدئين في التأثير الشعبوي لا يمكن أن يتراجعوا عن معلومة ذكروها حتى وإن تبدى لهم مدى مخالفتها للواقع والحقائق. ذلك أنهم يخافون على سمعتهم (كمؤثرين) أو (كمنظرين) من شيوع الأقاويل حول (خطئهم) الذي يعتبر من خوارم المروءة في مواقع التواصل الاجتماعي فيبقي عليها، ضاربًا بعرض الحائط مدارك الآخرين الذين قد يعتقدون بأن المعلومة صحيحة ويتناقلونها فيما بينهم.