تخيّل معي لدقيقة واحدة أن تستيقظ من النوم وقد انتزعتَ من نفسك جميع القيود الإنسانية التي تقيد سلوكك وتجعله يتسق مع المجتمع. فلم تعد تشعر بأي قيمة للقيم الاجتماعية ولا الحاجة للالتزام بها. تستطيع فعل أي شيء دون أي شعور بالندم أو الذنب. ليس لديك أي ذرة تعاطف مع أي معاناة بشرية حولك فآلام الآخرين لغز محير ودموعهم شيء غريب كأنه سراب في صحراء يحسبه الحيران ماء! هل تعلم أنه يوجد من البشر من هو كذلك وربما يجلس بجوارك الآن وأنت تقرأ هذا المقال! ولا يبدو عليه أي ملامح للشر، بل ربما كان في غاية اللطف والوداعة. السيكوباثية (أو كما تُعرّب أحياناً السيكوباتية) هي اضطراب في الشخصية يتميز صاحبها بالانعدام التام للضمير والشعور بالندم أو الذنب أو الخجل بالإضافة لسلوكيات مضادة لقيم المجتمع وأعرافه (أياً كانت قيم هذا المجتمع) كما يتسم بعدة صفات أخرى كالخداع والتلاعب بالآخرين والسحر السطحي للآخرين وكذلك عذوبة اللسان والكاريزما وغيرها من الصفات التي فصل فيها الدكتور الكندي (روبرت هير). يشكل السيكوباثيون ما لا يقل عن 1 % من أي مجتمع، كما يمثلون 20 % من المساجين؛ كما أنهم ليسوا على المعتقد الشائع مجرمون أو يبدو عليهم الشر لأول وهلة بل قد يكونون على النقيض تماماً. يعد الفضل -بعد فضل الله عز وجل طبعاً- في الكشف عن ستار هذا العالم المجهول لهذه الشخصية الغامضة للدكتور الأميركي هيرفي كلكلي والذي ألف كتاب The Mask of Sanity أي قناع الصحة العقلية في عام 1941 والذي تحدث فيه أن السيكوباث يرتدي قناعاً يبدو فيه كشخص سوي ويخفي به هذه السمات المختلة المضادة للمجتمع. ثم خرج الدكتور الكندي روبرت هير معتمداً على كتاب كلكلي وأمضى عشر سنوات من العمل الجاد ليصل إلى قائمة هير لتشخيص السيكوباثية Hare Psychopathy Checklist والتي تعد الأداة التحليلية الأدق في العالم لتشخيص السيكوباثية كما يعتبر هير عراب السيكوباثية والمرجع الأكثر موثوقية في هذا المجال. تكمن خطورة السيكوباثية؛ بشدة تخفي أصحابها وظهورهم بالمظهر الطبيعي والذي لا يثير أي تحفظ أو ريبة لدى أي شخص. بل إن هناك ما يسمى بسيكوباث المنظمات Corporate Psychopath والذي يتمتع بدهاء ومكر شديد وقدرة عالية التمثيل والوصول لأهدافه بسهولة ودون جُهد يُذكر كما فصل في ذلك الدكتور بول بابياك المتخصص في علم النفس المهني في كتاب Sneaks in Suits والذي ألفه بالتعاون مع د. هير. وفي الوقت الذي تختلط على كثير من المنظمات الصفات القيادية والشخصية السيكوباثية فإن الحل الوحيد للتمييز بينهما هو العلم الذي ينير ظلام السيكوباثية ليكشف عن هذا العالم المجهول!