لم يوثق أمين مجلس الأمن الوطني السابق، الأمير بندر بن سلطان، المواقف التاريخية المشرفة للمملكة تجاه قضايا المنطقة فحسب، بل قدم جردة حساب لمجمل الأخطاء الفادحة التي ارتكبت من قبل الفلسطينيين، ووضع يده الخبيرة على مكامن الخلل، والعلل التي أضرت بقضية عادلة ومحقة مثلما القضية الفلسطينية. كشف الدبلوماسي المخضرم والخبير في كواليس المنطقة والسياسة الدولية، مجمل المواقف العجيبة للقيادات الفلسطينية التي ألحقت بقضيتهم أضراراً بليغةً، وحولتها من قضية حق أبلج، ومظلمة تاريخية، إلى سلعة يتاجر بها أهل القضية، وغير أهلها، وسرد سمو الأمير بندر في لقائه مع قناة العربية قصة انحراف بوصلة الفلسطينيين، في غير مكان من الأردن إلى لبنان إلى الكويت، إلى غيرها من المواقع التي شتت جهود التحرير، وبددت حلم الدولة الفلسطينية، وأدخلت القضية في متاهات ومعارج لم تخدم أحداً سوى الاحتلال الإسرائيلي، الذي استثمر بدهاء في تناقضات وأخطاء الجانب الفلسطيني. غير أن أهم جانب يكشفه حديث الأمير بندر، مدى تسامي المملكة وتعاليها عبر محطات عديدة على الاتهامات الظالمة، واللغة الإعلامية المسفة، التي قابلت يد العطاء والدعم المطلق بصورة مؤسفة، بل إنها في مراحل ما - كما ذكر الأمير - دعمت الفلسطينيين في خياراتهم رغم عدم اتفاقها مع هذه الخيارات، حماية للقضية من التشرذم والانقسام، بل إن المملكة دعمت هذه الخيارات رغم أنها قدمت النصائح الحكيمة للفلسطينيين ولم يأخذوا بها، فأي سمو هذا وأي تعالٍ على السفاسف والإساءات والافتراءات الفجة. لقاء الأمير بندر بن سلطان مع العربية، الذي ما زال يحمل الكثير من الحقائق المغيبة، ويلقي الضوء على المسكوت عنه في الواقع السياسي العربي، يمثل مرحلة جديدة قوامها الشفافية وتسمية الأشياء بمسمياتها، وينهي فصلاً طويلاً من الصمت النبيل تجاه خطاب منفصل عن الواقع، خطاب الجانب الفلسطيني الذي عوضاً عن أن يتحمل وزر أخطائه وخياراته العبثية، ومواقفه المتقلبة، اختار أن يسيء للبلد الذي جعل قضية فلسطين أولويته وهو ما زال في طور التكوين.