اتسمت الألعاب لدى جيل الأمس القريب بالبساطة، واستطاع إنسان هذه الأرض التكيف مع ظروفه المعيشية فعمل جاهداً على صنع ألعابه بنفسه مما تنتجه البيئة المحيطة به من أشجار وأحجار وخامات طبيعية، وساهمت تلك الألعاب في إدخال الفرح والسرور إلى قلوب الصغار خاصةً مما أنتجه الكبار، كما خلقت جواً من التسلية قضى على أوقات الفراغ وساهم في تنمية مدارك الصغار باجتماعهم في الألعاب الجماعية التي خلقت جواً من المنافسة والتحدي، ومع تقدم الزمن وتغير أنماط المعيشة بعد أن تحسنت الحالة الاقتصادية وفتح الباب على مصراعيه للاستيراد من مختلف بلدان العالم وتنوع السلع التي كان من بينها الألعاب، عرف الناس ألعاباً جديدة أدخلت الفرحة والسرور على من يقتنيها، وأول ما عرف الناس من الألعاب ما كان يجلبه الحجيج من مكةالمكرمة عند العودة من رحلة الحج إلى بلدانهم، إذ كانت المحلات تعرض العديد من الألعاب البسيطة وغير المعروفة في ذلك الوقت، مثل السيارات التي تحاكي في صناعتها السيارات الحقيقية، وكانت مصنوعة من الحديد القوي المتصف بالقوة والصلابة، مما يجعله يتحمل اللعب به كثيراً، إضافةً إلى مجسمات صغيرة من الحيوانات مصنوعة من البلاستيك القوي جداً. بهجة الصغار ومن الألعاب القديمة مزامير ومسدسات بلاستيكية مع بعضها طلقات بلاستيكية وغيرها من الألعاب التي اتصفت صناعتها بالقوة والصلابة، ولم يكن ضمن هذه الألعاب ما يستخدم البطاريات الكهربائية الجافة، فما كان من الألعاب ما يستطيع الحركة إلاّ ما كان يعمل عن طريق الضغط ب»الزنبرك» فقط، وكم كانت بهجة الصغار تبلغ منتهاها إذا جاءتهم هدية من قريب أو جار، فقد كانت نقلة نوعية في الألعاب التي لم يعتادوها، فجل ألعابهم شعبية ومن خامات طبيعية مما حولهم من الأشجار أو من عظام الحيوانات، واستمر الحال ردحاً من الزمن، إلى أن بدأت تستورد الألعاب التي تعمل البطاريات الكهربائية الجافة، والتي تبعث الحياة في اللعبة فتحركها، مثل السيارات والقطارات التي لها سكة خاصة تمشي عليها أو تصدر صوتاً كطلقات المسدس أو صوت الحيوانات، ومنذ عقود قليلة بدأ يظهر نوع من الألعاب الإلكترونية كلعبة «الأتاري» التي توصل بالتلفزيون ويستطيع اللعب بها أكثر من لاعب. وفي عصرنا الحاضر شهدت الألعاب الالكترونية تطوراً ملحوظاً حيث ظهر «الآيباد» و»السوني» وألعاب الهاتف النقال المتعددة، والتي قتلت المتعة في ممارسة الألعاب الجماعية والحركة والتفاعل، وبات اللعب بها فردياً ويصاحبه جلوس خلف شاشات التلفاز وشاشات الأجهزة الذكية لساعات مما ينذر بالخطر، والعجيب في الأمر أن من يلعب بهذه الألعاب ليس من صغار السن بل تبعهم الشباب وكبار السن سعياً منهم في القضاء على أوقات الفراغ. أم تسع وكانت الألعاب لدى جيل الأمس القريب تعتمد على الحركة والخفة والاجتماع، وكانت تلك الألعاب تسمى ب»الألعاب الشعبية» أي الألعاب الدارجة في كل مجتمع محلي، فتحظى بممارسة شعبية كبيرة، ويتم مزاولتها في الأماكن الفسيحة بين البيوت في الأحياء وأحياناً في الطرقات الواسعة في الممرات بين المنازل والتي تكون ظليلة لتناسب اللعب في الأوقات الحارة التي تتوسط فيها الشمس كبد السماء، وكان غالب من يلعبها هم من صغار السن والشباب، وكانت بعض الألعاب تلعب بشكل جماعي، فمنها ما يشترك فيها اثنان كلعبة «أم تسع» الشهيرة، والتي تلعب في أي مكان، إذ لا تحتاج إلاّ لعدة خطوط في الأرض عبارة عن ثلاثة مربعات، الأول صغير والثاني يحيط به، وكذلك الثالث، ومن ثم يخط في كل ضلع من أضلاع المربع في النصف خط إلى أن يصل إلى المربع الأول الذي في المنتصف، فيكون فارغاً ليتم فيه وضع الأحجار التي يخرجها المنافس في اللعبة، ويحتاج كل لاعب إلى تسعة أحجار صغيرة بمقدار حب الحمص وتسع أخرى من أي نوع كنوى التمر مثلاً للتفريق بين حجارة كل لاعب والآخر، ويضع كل لاعب أحجاره في النقط حتى يكمل وضع ما لديه منها، أي مرة يضع هو ومرة خصمه ومن ثم يبدأ تحريك الأحجار بالتتالي أيضاً، ومن عمل ثلاثة أحجار مستقيمة يخرج حجراً من خصمه حتى يخرج الفائز جميع أحجار زميله. عظيم ساري وبعض الألعاب القديمة يشترك في اللعبة أربعة أشخاص أو ستة أو ثمانية وأحياناً أكثر كلعبة «طاق طاق طاقية»، ولعبة «الغميمة»، ولعبة «الكعابة»، وكذلك لعبة «الدبق»، و»الغزيز»، و»عظيم سرى» أو «عظيم ساري» والتي تلعب في الليل، خاصةً في الليالي المقمرة وغيرها من الألعاب الشيقة، وتختلف مسميات بعض الألعاب الشعبية من منطقة إلى أخرى ولكنها في النهاية متشابهة في طريقة الأداء، كانت تلك الألعاب الشعبية تمثل التسلية الوحيدة للأطفال في الماضي نظراً لانعدام أماكن الترفيه، وتوسط الحالة المادية، لكن على الرغم من ذلك فقد كان يقضي الأطفال أوقاتاً سعيدة قد يفتقر إليها أطفال العصر الحديث الذين يمارسون ألعاباً أغلبها إلكترونية، تتسم بالعنف واستنزاف المال وتضييع الوقت، وقلة الحركة والخمول. لعبة الأتاري وكانت الألعاب في بداية استيرادها إلى بلادنا منذ عقود مضت جامدة لا حراك فيها، ثم بدأت ترد ألعاب حركية يستطيع من يلعب بها تحريكها عن طريق ضغط «الزمبرك» الذي بداخلها ولفّه ومن ثم تبدأ اللعبة في الحراك، ومن ثم سرت الكهرباء في الألعاب وهي كهرباء عن طريق استخدام البطاريات الجافة، ومع ورود كل صنف من هذه الأصناف كان إعجاب الناس متناهياً، وفرحة من يلعب بها من الصغار عارمة، إلى أن وصلت الألعاب الإلكترونية التي كانت في البداية توصل بجهاز التلفزيون مثل «الأتاري»، تلك اللعبة الأسطورية التي اخترعها «صاموئيل دابني» الذي يعتبر صاحب ثورة حقيقية، فهو من جلب أول لعبة فيديو رقمية إلى الأسواق في سبعينيات القرن الماضي، تلاها ألعاب إلكترونية صغيرة الحجم بمقدار الكف. نُسخ البلايستيشن ومع التقدم التكنولوجي أطلقت شركة «سوني» أول إصدارات «بلايستيشن» في عام 1994م، وكانت ثورة حقيقية في عالم الألعاب الإلكترونية والتي شهدت إقبالاً كبيراً فلا يكاد يخلو منها بيت، واستمرت الشركة في إصدار نسخ جديدة في كل بضعة أعوام ساهمت وبشكل كبير في الحفاظ على مستخدمي ألعابها إلى يومنا هذا، ومع تطور تطبيقات الهواتف الذكية بات الحصول على الألعاب الإلكترونية سهلاً وميسراً حتى للأطفال الصغار، فظهرت العديد من الألعاب التي يحتار المرء عند اختياره لواحدة منها لكثرتها، ومن الألعاب ما يستطيع معه المستخدم من اللعب لمدة طويلة جداً قد تستغرق أسابيع بل وشهوراً، بحيث إنها لا حد لها ولا نهاية، وظهر نوع من الألعاب يغري من يستخدمها في تخطي المراحل عن طريق شراء بعض السلع التي هي من بنود اللعبة بالمال، بحيث يستطيع الشراء عن طريق البطاقات الائتمانية، مما جعل الكثيرين يخسر وقته وماله من أجل الاستمرار في اللعبة، حيث إن الهدف من إنتاجها استغلال اللاعبين عن طريق بث الحماس لتخطي مراحلها عن طريق الشراء. وفي عصرنا الحاضر انتشرت الألعاب الالكترونية ك»الآيباد» و»السوني» وفقدت الألعاب في أيامنا هذه قيمتها بل لذتها، فبعد أن كانت الألعاب تؤدى جماعياً باتت تلعب فردية وتباع بمختلف الأنواع، وصار من النادر أن ترى اثنين من الإخوة أو الأقارب يجتمعون على لعبة واحدة، وبذلك ودّع الناس حياة البساطة حتى في الترفيه بظهور الألعاب حتى في الجوالات التي أشغلت الناس عن كل شيء حتى من الاجتماعات وتبادل الأحاديث، وصارت الألعاب القديمة ذكرى عزيزة على نفوس كبار السن. إصغاء وتفاعل والحقيقة أن الألعاب الإلكترونية تطورت وأصبحت جزءًا من يوميات وأوقات الأطفال والمراهقين، وأصبحوا متفاعلين ونشطاء معها، وبالرغم من أنها ممتعة ومسلية إلاّ أنها تؤثر على الفرد والمجتمع إيجابياً وسلبياً من النواحي الصحية والاجتماعية، مما دفع المتخصصين في السلوك الإنساني والاجتماعي والنفسي ودارسي علم النفس والسلوك والتربية لمعرفة مدى تأثيرها على الأطفال والمراهقين، كما أن الألعاب الإلكترونية باتت منافساً خطيراً لقضاء وقت ممتع مع الأسرة والأهل والأصدقاء، وتراجعت أمامها الألعاب الاعتيادية والقديمة التى كان الصغار يتوقون لممارستها مثل كرة القدم والجري والتنزه فى الهواء الطلق، وتلاشت المهام الاجتماعية التي كان الكبار يقومون بها وفي مقدمتها الزيارات العائلية ولقاء الأصدقاء، واقتصر اللعب الذي يعد ضرورة من ضرورات الحياة للأطفال ووسيلتهم في التعبير عن مشاعرهم الداخلية وميولهم وطريقة تفكيرهم على عالم افتراضي يستحوذ على الصغار والكبار، خاصةً مع استمرار وصوله لآفاق جديدة وتقنية أفضل في كل عام، ويأتي إغراء تلك الألعاب نتيجة تميزها بالتنوع واستهدافها لجميع الفئات العمرية، والأهم أنها تجعل اللاعب جزءًا من اللعبة، الأمر الذي يمثل جاذبية خاصة لدى الأطفال والمراهقين والشباب، لأنها تتطلب التركيز والاهتمام المستمر والإصغاء والتفاعل التام مع الأحداث بالعقل والمشاعر والنفس، بحيث يشعر اللاعب أنه جزء لا يتجزأ من الأحداث، وأنه العنصر الأهم في اللعبة، ومن الناحية الصحية، فإن الإسراف في الألعاب الالكترونية يتسبب فى الإصابة بآلام المفاصل الموجودة في الرقبة، أو اليد، أو الرسغ، أو الساعد، وذلك نتيجة اللعب المستمر لفترات طويلة دون راحة، أمّا من الناحية النفسية فعلى الرغم من وجود بعض الألعاب القائمة على وجود فريق مكون من عدد من اللاعبين، إلاّ أن معظم الأطفال ينتهي بهم الأمر للجلوس في غرفتهم منفردين وينخرطون بكل جوارحهم مع اللعبة مما يحد من مهاراتهم الطبيعية في التعامل مع الحياة الواقعية، ويفشل بعضهم في إيجاد أحاديث مع غيرهم أو الاستجابة لهم، بسبب تعودهم على الصمت والاندماج مع الألعاب الالكترونية فقط، وإذا زاد الأمر يؤدي إلى التوحد أو الاكتئاب، وغيرهما من الاضطرابات النفسية. إحدى الألعاب الشعبية التي يزاولها الصغار قديماً هناك من صنع لعبته بنفسه انجذاب الأبناء نحو ألعاب الجوال العيش في عالم افتراضي بعيداً عن الأهل والأقارب الأسرة عليها مسؤولية حماية الأبناء من إدمان الألعاب الإلكترونية الأتاري أول ظهور للألعاب الالكترونية حمود الضويحي