كان ولا يزال لأمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح -طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته- مكانة استثنائية في قلوب الشعوب الخليجية والعربية جميعاً، فالراحل العظيم لم يكن فقط، أباً ومؤسساً للدبلوماسية الكويتية وصاحب مدرسة عريقة كان لها الفضل في نزع فتيل التوترات والقضاء على النزاعات وطي صفحات الخلاف وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقتنا الخليجية والعربية لسنوات وعقود طويلة، بل هو أيضاً رمز للحكمة والاعتدال والعقلانية والرشادة السياسية التي تتطلبها معالجة الأزمات وإدارة المواقف الصعبة، كما كان قائداً محنكاً قاد بلاده في فترة صعبة ووفر لها الاستقرار والأمن الذي تحتاجه عملية التنمية والتطور والتقدم الذي جعل من دولة الكويتية الشقيقة نموذجاً في التنمية والبناء. كان للراحل العظيم أيضاً بصمات عميقة وأياد بيضاء لا تنسى في مجالات العمل الإنساني المختلفة حتى منحته الأممالمتحدة عام 2014 لقب أمير الإنسانية، تقديراً لجهوده ودوره العظيم في هذا المجال، ولم يكن هذا اللقب مجرد وصف وتقدير عالمي لجهوده -رحمه الله- بل كان كذلك تعبيراً عن نبض الشعوب، وملايين البشر الذين تلقفوا هذا اللقب وسعدوا به حتى صار لصيقاً بصاحبه وتحول من لقب رسمي إلى لقب شعبي يجسد حب الشعوب جميعها لرجل لم يبخل بالعطاء الإنساني وأسهم بشكل جاد ومؤثر في مساعدة المحتاجين في كل مكان في العالم. على مدى أربعة عقود قاد الراحل العظيم خلالها الدبلوماسية الكويتية، تحققت للكويت صورة ذهنية رائعة لدى شعوب العالم كافة بفضل حكمة وتصالحية الفقيد الراحل، الذي كان يدرك جيداً قيمة وأهداف وتأثير العمل الدبلوماسي منذ أن غرس بذور هذا العمل في الكويت الشقيقة، حتى صار رمزاً له وقدوة ونموذجاً في الدبلوماسية الرشيدة. الراحل العظيم كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان «رجل الحكمة والتسامح والسلام، وأحد الرواد الكبار في العمل الخليجي المشترك»، وعندما نكتب عن رواد العمل الخليجي نستذكر بكل فخر واعتزاز أيضاً جيلاً من القادة العظام، في مقدمتهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه-، صاحب مبادرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وصاحب الدعوة لعقد أول قمة للمجلس في أبوظبي بتاريخ 25 مايو عام 1981 حيث كان يقول في ذلك: «بعد اتحاد الإمارات جاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. والله يعلم ما بذلته من جهد لأجل قيام مجلس التعاون مع إخواني السعوديين والقطريينوالكويتيينوالبحرينيينوالعمانيين وقد أطلعتهم على الأشياء التي وجدناها في الاتحاد والتي أردنا أن ينتفع بها وينتفع بها إخواننا وجيراننا سواء في السعودية أو البحرين أو الكويت أو قطر أو عمان»، كما يذكر التاريخ أيضاً جهود الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل في العمل من أجل قيام مجلس التعاون. ترك الراحل العظيم لدولة الكويت الشقيقة والشعوب الخليجية والعربية إرثاً عظيماً من الحكمة والعطاء والعمل الإنساني والخيري، والمؤكد أن ذكراه ستبقى خالدة في القلوب، ومواقفه التاريخية ستبقى مصدر إلهام للأجيال الحالية والمقبلة، فلن ينسى أحد «أمير الإنسانية» في نبل مواقفه وعطائه اللا محدود، وستبقى أرض الكويت الشقيقة منبعاً للخير والعطاء والقادة العظام، فالكويت هي منارة إشعاع حضاري في منطقتنا الخليجية والعربية، وهي أيضاً بوصلة العقل والوسطية والاعتدال والقرار الرشيد. وداعاً أمير الانسانية، فقد رحلت عنا بجسدك ولكن أخلاقك الطيبة وشهامتك العربية الأصيلة ومواقفك العظيمة ستبقى خالدة لتلهم الكويتيين وشعوب العالم كافة المعاني السامية للإنسانية والعطاء والخير والوفاء، وخالص العزاء للشعب الكويتي العظيم والشعوب الخليجية والعربية وكل محبي الراحل العظيم.