تؤجج الكورونا محافل النقاش والتكهنات، بل وتبادل التشكيك في المستقبل والحاضر والنيات، بل وحتى التشكيك في منشأ هذا الفيروس وما إذا جاء لكوكبنا كزائر وحيد أم كمبشر بهجمة من الفيروسات، أشبه بالغزو الفضائي لكائنات لم ولن تخطر لنا على بال من مجرات الفيروسات اللانهائية؟ وفي هذا الخضم يصدر كتاب (من عالم إلى آخر: إيقاظ الوعي) عن دار نشر (فايار) بمشاركة من المؤلفين الفيلسوف الفرنسي (ريدريك لينوارFrederic Lenoir ) من مواليد العام 1962، ووزير الانتقال البيئي والشامل السابق (نيكولا هولو Nicolas Hulot) والذي شكل صدمة للحكومة وللإيكولوجيين وللجمهور - الذي يحترم مسيرته عموماً - باستقالته المفاجئة من منصبه في حكومة إيمانويل ماكرون في أغسطس 2018، بعد فترة وزارية لاتزيد على الستة عشر شهراً)، وذلك لكونه رمزاً للمدافعين عن قضايا البيئة والذي ولمدة ثلاثين عاماً لم يكن يسعى لإيقاف الدمار الحثيث لمقدرات كوكب الأرض، والذي أسس مؤسسة نيكولا إيلو للطبيعة والبشرية، ولا يزال يسعى لتجييش المناصرين للقضايا الإنسانية، ومن ذلك انضمامه للفيلسوف فريديريك لينوار الكاتب ومدير المجلة الفرنسية لوموند دي دينيز، التي تتخذ مقاربة ثقافية معاصرة للقضايا الدينية، وأن تشارك هذين العقليتين في إصدار هذا الكتاب ليوحي بأهمية القضية التي يتناولها، وتتلخص في دعوة البشر للاستيقاظ وشحذ المخيلة لتخيل عالم أفضل. الكتاب «من عالم إلى آخر» هو دعوة لإيقاظ الوعي بالحياة، لتحقيق نقلة وجودية، وذلك انطلاقاً من تساؤلات يوجهها إيلو ولينوار لذاتيهما، في شكل حوارات ومقابلات يجريانها، يفتح المفكران كما نافذة للقارئ وللجمهور عموماً للنظر لداخل عقليهما، وما يكمن هناك من حيرة وهموم ومخاوف بشأنها مصير الأرض والبشرية، كل ذلك الكوم القاتم جنباً إلى جنب مع قوس قزح، أو آفاق الأحلام اللامحدودة والآمال التي يرسمها كل واحد منهما لما يتخيل عليه الحياة، حياة أفضل وأكثر مسؤولية وأعمق الوعي بدور البشر فيها، فالحياة هي نتاج ما يكون عليه البشر، وحين نكون أجمل تتلون الحياة حولنا وفينا بإرادة الجمال هذه، مسيرة الجمال هذه التي بدأها الفيلسوف لينوار منذ كتابه بعنوان «عن السعادة «، والذي هو عبارة عن رحلة فلسفية في قوة الفرح أو المعجزة سبينوزا، الفرح النابع من الوجود الحق، الوجود في العميق والحقيقي بعيداً عن الزائف والجشع، لأن ما يفتك بعالمنا هو هذه الغربة عن الحق، وهذا البعد عن البساطة، والركض وراء المزيد والمزيد من كل شيء. نيكولا إيلو و فريدريك لينور كلاهما قام بتأسيس قاعدة للتبشير بالبساطة وبحيوية الوجود، إيلو في مؤسسته هو الطبيعة ومشروعاتها التي تحفز لرفع الوعي، ولينوار في مؤسسته التي تحمل مسمى بديعاً، «أن نتعلم كيف نوجد، ونحيا معا»، مؤسسة نشطة تنظم ورش العمل الفلسفية للأطفال وتتمحور حول ذا المفهوم البسيط، كيف نوجد، بكل العمق، وكيف نتشارك الحياة على ذا الكوكب ليس فقط مع البشر وإنما هي مشاركة مع النبات والحيوان والجماد من معادن ومياه وهواء، في شراكة احترام وحماية. كيف نحيا معاً، الحياة بمفومها العميق، ذلك ملخص مسيرة هذين الرجلين الملتزمين.