من التجارب نتعلّم دائماً العبر والدروس، هكذا علّمنا العرف السائد، ولا شك أن أكبر تجربة مرَّت على جميع اقتصادات العالم كبيرها وناشئها وصغيرها هي أزمة كورونا، التي لم يتمكن أي اقتصاد في العالم أن يتحوط ويحمي نفسه منها. وبالعودة إلى التاريخ القريب خلال الأزمة المالية العالمية التي حدثت في سنة 2008، فقد واجهت الحكومات صعوبة كبيرة في التعامل مع آثار الأزمة الاقتصادية حينها، فقامت أغلب الحكومات بضخ مئات المليارات لإنقاذ النظام البنكي وقد نجحت في ذلك، ولكن للأسف كان النجاح على حساب أموال دافعي الضرائب. وقامت في ذلك الوقت الحكومة الصينية بضخ حوالي 600 مليار دولار أميركي لتطوير البنية التحتية؛ مما ساهم بشكل كبير في تخفيف الأزمة المالية وليس ذلك فقط، فقد تعافى الاقتصاد الصيني بشكل أسرع بالمقارنة مع العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم في ذلك الوقت. وقد كان معلوماً للجميع حينها، أن الاحتياطي النقدي قد لعب الدور الأهم والفاعل عند اتخاذ هذا الإجراءات وأدّى لنجاح تجربة الاقتصاد الصيني في التعافي من الأزمة المالية تلك. وإذا ما نظرنا إلى الاحتياطي النقدي لدى دول الخليج نجده - ولله الحمد - جيداً ويمكن الاعتماد عليه. لذلك أنصح أن تقوم حكومات دول الخليج في هذه المرحلة من أزمة كورونا باستغلال واقتناص الفرص في ظل ما تعانيه معظم اقتصادات العالم من انكماش، حيث أرى أنّه من الجيد أن يتم التوسع في المشاريع والاستثمارات في البنى التحتية في المطارات والطرق والموانئ، ليساهم ذلك بتحقيق التعافي السريع والعودة الطبيعية للأنشطة الاقتصادية وتحقيق معدلات جيدة من النمو الاقتصادي، وكذلك للمساعدة في نجاح الكثير من الملفات العالقة والتي من أهمها ملف التخصيص الذي لن ينجح بدون قيام الحكومة بدعم البنى التحتية للقطاعات المستهدفة ببرامج التخصيص المقررة من قبل الحكومة. وقد يرى البعض أن المحافظة على الاحتياطيات أهم بكثير لحماية الاقتصاد في ظل هذه الظروف، وخصوصاً أن العمل على البنى التحتية سيكون بالاعتماد على موارد وعمالة خارجية، وهي وجهة نظر صحيحة. وكذلك قد يرى البعض أن ضخّ مئات المليارات من خلال مشاريع البنى التحتية يمكن أن يعد ويفتح قنوات أوسع للفساد وهدر المال العام! ولكن في رأيي أنَّ عدم استغلال هذه الفرصة سوف يقلل من نجاح مستهدفات رؤية 2030، وسوف يدخلنا في دوامة الانكماش الاقتصادي لمدة أطول وهو الأمر الذي لا نتمناه في مملكتنا الحبيبة.