يرمي نظام مكافحة التستر التجاري السعودي، الذي يعد أحد مرتكزات رؤية 2030 إلى وضع حد للنزيف المالي الضخم الذي يتكبده الاقتصاد السعودي حيث يتجاوز عشرات المليارات من الريالات كل عام، وفي ذلك من الضرر والخلل الكبيرين الذي يحدثهما هذا التستر التجاري في بنية النظام الاقتصادي السعودي. هذا الاقتصاد الخفي أو اقتصاد الظل الذي نتحدث عنه هو عمل نظامي بالأساس مرخص له بإجراءات نظامية وقانونية. غير أن شخصًا آخر غير مرخص له أو ممنوع من ممارسة هذه الأعمال يقوم بممارستها، وكأن هذا المتستر عليه هو صاحب هذه المؤسسة أو المنشأة، حيث يظهر بمظهر صاحب العمل وتكون له السلطة المطلقة في إدارة العمل، بينما يكتفي المتستر السعودي بمبلغ مقطوع شهري أو سنوي أو أيا مما يتفق بشأنه مع المتستر عليه. وفي ذلك قضت المادة الأولى من النظام بأنه يقصد بالتستر اتفاق أو ترتيب يمكن من خلاله شخص سعودي شخصًا آخر غير سعودي من ممارسة نشاط اقتصادي في المملكة غير مرخص له بممارسته باستخدام الترخيص أو الموافقة الصادرة للمتستر. ومفاد ذلك أن مظاهر جريمة التستر التجاري تتمثل في تمكين غير السعودي من الاستثمار في أي نشاط اقتصادي سواء كان تجاريًا أم استثماريًا أم خدميًا أم مهنيًا أم صناعيًا أم زراعيًا محظور عليه الاستثمار فيه أو ممارسته، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري، أو بأي طريقة أخرى، كإعطاء مشورة أو أن يساعد أو يحرض على ارتكاب جريمة التستر مع علمه بها، وهو ما يعتبر في نظر النظام تسترًا تجاريًا مكتمل الأركان. وهذا ما أوضحته المادة الثالثة من النظام وبينته بيانًا شافيًا. ولا يخفى أن هذه الممارسات غير الرسمية ليس لها قيمة اقتصادية مضافة إلى المجتمع، بل على العكس من ذلك فهي تضعف روح العمل والمشاركة الفعالة لدى السعوديين في بناء وتنمية وطنهم، كما أنها من ناحية أخرى تضاعف نسبة البطالة في المجتمع، ولا تساعد على الحفاظ على نظافة المناخ الاستثماري في المملكة. ونظرا لهذه التداعيات الخطيرة التي يسببها التستر التجاري شدد نظام مكافحة التستر من العقوبات التي تطال مرتكبيها سواء كان متسترا أو متسترا عليه، حيث تختص النيابة العامة بالتحقيق والادعاء في هذه الجرائم، كما تختص المحكمة الجزائية بالنظر والفصل فيها. ومن محاسن هذا النظام وما أكثرها أنه أجاز إثبات هذه الجرائم بجميع طرق الإثبات بما فيها الأدلة الإلكترونية كالبريد الإلكتروني والواتس آب وغيرهما من الوسائل الحديثة، وقد جاءت المادة السابعة من النظام بهذا الحكم مسايرة للتطور التكنولوجي، حيث وظف النظام هذه الآلية والتقنية الحديثة للحد من هذه الجريمة ولزجر المخالفين. كما أن النظام أعطى في المادة (18/2) منه المبلّغ عن جريمة التستر مكافأة مالية لا تزيد على 30 % من الغرامة المحصلة عن الجريمة، وفي هذا تشجيع وبث لروح الوعي لدى المواطنين لمكافحة هذه الجريمة. وفي إطار تشديد العقوبة قضت المادة التاسعة من النظام بعقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع مراعاة أمور معينة يجب أخذها بعين الاعتبار عند الحكم بهذا، كحجم النشاط الاقتصادي محل الجريمة إيراداته ومدة مزاولة النشاط والآثار المترتبة على الجريمة. كما تضاعف العقوبة سالفة الذكر في حالة العود إلى ارتكاب هذه الجرائم خلال مدة ثلاث سنوات من تاريخ الحكم عليه. إن الحد من هذا التستر يساعد على تحقيق معدلات نمو عالية ويفتح مجالات عمل كثيرة لأبنائنا، وأنه يساعد على تخفيض تحويلات الأجانب غير النظامية التي تذهب سدى خارج المملكة ولا تستفيد منها، وإن مكافحة جريمة التستر التجاري واجب على كل سعودي يعيش على أرض هذا الوطن وينعم بخيراته، لقد آن للجميع أن يعوا ويتفهموا ما وراء نظام مكافحة التستر وغيره من الأنظمة الجديدة التي تصدر ضمن رؤية شاملة ومتكاملة لمتطلبات هذا الوطن، وأن الغرض منها هو رفعة هذا الوطن، ومحاربة الفساد أينما كان.