إثر اجتياح وباء كورونا العالم، تَعاملَ القطاع غير الربحي (الثالث) في المملكة بشكل احترافي تجاه معالجة التأثيرات السلبية للجائحة على الفئات المحتاجة، وبذلَ مع القطاعات الحكومية والأهلية جهودا تكاملية أسهمت في التخفيف من آثار تلك الجائحة، وذلك عبر القيام ببعض المشروعات والمبادرات، ولم يعُد دور الجمعيات والمؤسسات الأهلية منحصرا في الأساليب التقليدية من استقبال التبرعات المادية والعينية وتوزيعها على الأفراد والأسر المسجلين لديها، وعدم الاقتصار على رعاية الأسر المحتاجة ماديا دون إغفال الجوانب التنموية من تأهيل، وتدريب، وتوعية، ودعم نفسي واجتماعي، لمساعدة الفئات المتضررة على التخفيف من آثار الجائحة. وعلى صعيد الوطن، أطلقت مؤسسات خيرية رائدة برامجَ متعددة لمواجهة تداعيات الجائحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت مؤسسة الملك خالد الخيرية بتسخير إمكانياتها وتوجيه برامجها لمساندة القطاع الصحي، والمنظمات غير الربحية المعنية من خلال تقديم المنح الطارئة وتبني المشروعات المجتمعية لمساعدة المتضررين من الجائحة، كما قامت مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية ببرامج وجهود مماثلة، وأجرت دراسة مفصلة رصدت فيها بأسلوب علمي الاحتياجات المجتمعية لمواجهة آثار الجائحة في جميع مناطق المملكة، الثلاث عشرة، وخرجت بتوصيات عدة لمواجهة تلك الآثار السلبية، وشددت على التنسيق والتكامل وتوحيد جهود الجمعيات الخيرية وتفعيل الشراكات ودعم الأبحاث والدراسات العلمية والاجتماعية وتوفير قواعد معلومات في كل منطقة لإحصاء المتضررين وتقدير مدى احتياجاتهم، كما قدم مجلس الجمعيات الأهلية ومؤسسات وجمعيات خيرية منتشرة في عموم المملكة برامج مساعدات مصممة لرعاية المتضررين وخصوصا من أصحاب المهن الحرة الذين توقفت أعمالهم، وقام صندوق الوقف الصحي وهو صندوق وقفي مستقل يهدف إلى إشراك المجتمع في تحقيق التنمية الصحية المستدامة والإسهام الفعال في التنمية الصحية بمبادرات تهدف لدعم الأبحاث الطبية الموجهة لعلاج فيروس كورونا، ودعم نقل العلاج للمرضى في منازلهم وغير ذلك من المبادرات. وقام الصندوق المجتمعي وبمبادرة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وبالشراكة مع الهيئة العامة للأوقاف ومجلس الجمعيات الأهلية بتقديم المساعدة والدعم للجمعيات الأهلية التي تقدم خدماتها للمستفيدين وفق مجالات اختصاصاتها والتي يبلغ عددها أكثر من 2500 جهة خيرية مسجلة. من خلال ما ذُكر من الجهود المبذولة أعلاه، تتأكد الحاجة على توحيد الجهود بين الجهات غير الربحية لتكون تحت مظلة إشرافية موحدة، مما سيساعد على تنظيم الممارسات الإدارية المحققة للأهداف، وذلك عبر تفعيل قرار مجلس الوزراء الموقر الصادر في شعبان 1440، بتأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي والذي يهدف إلى تفعيل دور منظمات القطاع الثالث وتوسيعها في المجالات التنموية والعمل على تكامل الجهود الحكومية في تقديم خدمات التراخيص وإحكام الرقابة المالية والإدارية والفنية على القطاع وزيادة التنسيق والدعم بينها، وهذا بيت القصيد. إن انشاء المركز، والذي تعمل على تأسيس نظامه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، سيسهم بلا شك في تنسيق الجهود، وتنظيمها، وتعظيم أهدافها، وقد منح قرار مجلس الوزارء الموقر المركز الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري والارتباط المرجعي برئيس مجلس الوزراء مما سيمنح المنظمات غير الربحية الدينكاميكية والمرونة في تحقيق الأهداف والتكامل مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وحوكمتها وضمان التزامها باللوائح والأنظمة. إن هناك أبعادا غير منظورة لما بعد أزمة كورونا، ولا بد من الاستعداد لمثل هذه الأزمات والجوائح لو حصلت في المستقبل لا سمح الله، برؤى استراتيجية واعدة، مستشرِفة للمستقبل، مدعمة بممارسات مهنية عالية، ومنفذة بكوادر مؤهلة، ليصبح هذا القطاع كما أرادته الرؤية من أهم ركائز البنية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة ومساندا لمنظومة الدعم الحكومي والأهلي ومولدا للفرص الوظيفية لينعم المواطن والمقيم في المملكة باقتصاد مزدهر في وطن طموح بأهله فخور بقيادته.