المفزع حقاً أن إحصائيات الطلاق لدينا في ازدياد، رغم كل التحذيرات وحملات التوعية، وهي إحصائيات تدق أكثر من ناقوس خطِر أمامنا جميعاً وبشكل يجب أن يجعلنا نعلن الحرب على هذه الظاهرة التي تضرب استقرارنا المجتمعي والأسري في الصميم وتضعنا أمام أجيال فاقدة لما يعرف ب«الأمان الاجتماعي».. العنوان أعلاه، قرأته في إحدى صحفنا المحلية.. وبغض النظر عن أنه من قبيل التشويق الصحفي المتعارف عليه مهنياً، لكنه يثير داخلي الكثير من الشجون رغم السخرية المريرة.. ليس من حيث إلصاق تهمة تدمير الأسرة السعودية برفع حظر التجول الذي فُرض لمواجهة جائحة كورونا، لكن لأن مشكلة الطلاق ذاتها أصبحت هاجساً يفترض أن يؤرق المجتمع كله ويجعله ينتفض من أجل مواجهة ظاهرة تستحق أن نحشد لها الجهود الرسمية والمجتمعية للحد من نزيفها المؤلم. وإذا كانت المملكة أقرت -عبر وزارة العدل- في وقت سابق، حزمة من التشريعات تنهي فوضى الطلاق الشفهي، وبما يوثق هذا الطلاق في تعديلات جريئة بقانون الأحوال الشخصية تُلزم الزوجين بالحضور أمام القاضي؛ للحصول على صك الطلاق، وذلك للحد من الطلاق العبثي والكيدي، وما يترتب عليهما من ضياع حقوق الزوجة والأبناء.. بما يعني أن الرجل لن يتمكن من طلاق زوجته؛ إلا بعد حضورهما أمام القاضي، وبالتالي لن يتم إصدار أي صك طلاق؛ إلا بعد حسم موضوعات النفقة والحضانة والزيارة.. وهذه مشاكل كانت تحوّل العلاقة بين الطليقين إلى ما يشبه إعلان حرب وجحيم! هذا عدا أن هذه التشريعات تتيح اللجوء للقوة الجبرية من أجل إحضار الزوج لإثبات الطلاق، وفي ذلك تخفيف أعباء كبيرة على المطلقات اللواتي يماطل أزواجهن في إثبات طلاقهن. ومع ذلك، فإن المفزع حقاً أن إحصائيات الطلاق لدينا في ازدياد، رغم كل التحذيرات وحملات التوعية، وهي إحصائيات تدق أكثر من ناقوس خطِر أمامنا جميعاً وبشكل يجب أن يجعلنا نعلن الحرب على هذه الظاهرة التي تضرب استقرارنا المجتمعي والأسري في الصميم وتضعنا أمام أجيال فاقدة لما يعرف ب"الأمان الاجتماعي" وهو مؤشر خطير يجب ألا نترك حلوله للزمن. والغريب أنه بعد أن انخفضت نسبة صكوك الطلاق في شهر شعبان الماضي -ويا للمصادفة فإنه كان بداية فرض حظر التجوال وما يستتبعه من حجر منزلي وأيضاً تعليق الدوام في المؤسسات الحكومية بسبب تداعيات التعامل مع جائحة كورونا- فلا تتجاوز 134 حالة، إلا أنها وبعد رفع الحظر، عادت مجدداً لترتفع بقرابة 30 ضعفاً بمعدل 136 حالة يومياً أي 7 حالات طلاق كل ساعة، وتصل إلى 4079 صك طلاق في شهر ذي القعدة (للأسف 53 % منها في منطقتي الرياض ومكة المكرمة وحدهما) فيما كانت أعدادها 167 في رمضان، و798 في شوال! فماذا يعني هذا؟ هل كان منع التجوال، ولزوم الأزواج والزوجات في بيوتهم، حقاً سبباً مهماً غاب عنا كثيراً وساهم في خلق وئام أسري وأحدث حالة من التقارب النفسي الزوجي ما قلل حدة الخلافات بشكل ما؟ أم أنه كان سبباً مباشراً في وجود صدام بين الزوجين فاقم المشكلة المتجذرة عميقاً والمسكوت عن دوافعها لتنفجر لاحقاً نتيجة عدم القدرة على التكيف سلوكياً أو نفسياً وعصبياً، والدليل هذا الارتفاع التدريجي في الأشهر التالية لشعبان؟ أم أن أسرنا في غالبها تفتقد مثل هذا التوافق النفسي المطلوب البحث عنه أصلاً قبل عملية الارتباط ووجوده في أغلبه قد ينهي جبل الجليد في العلاقات الزوجية ويعيد الاستقرار إلى الجدران الأربعة مستقبلاً؟ مجتمعنا بحاجة ماسّة للاستفادة من الأرقام والإحصائيات التي تصدرها الجهات المسؤولة، وليس مجرد عرضها فقط، وعلينا محاولة إصلاح مثل هذا الخلل الاجتماعي بشرف المسؤولية عن مجتمعنا وعن أسرنا وعن أنفسنا وعن مستقبل أولادنا الذين هم جيل المستقبل بكل ما نأمله منه، ونهيئه لتحمل استمرار وبناء هذا الوطن ونهضته. لا يمكن أبداً الاكتفاء بمصمصة الشفاه والأسف على هكذا وضع، ولا يمكن السكوت أو التجاهل لأن في هذه الحالة خيانة لحلمنا الكبير، واستهتار بمستقبل نعوّل عليه الكثير من الآمال والطموحات.. علينا أن نتذكر أن قوة الوطن من قوة أسرته، وبقاءه آمنا وسليماً ومستقراً رهين استقرار مجتمعي وأسري شامل.