بالرغم من أن المملكة أكبر دول المنطقة وأكثرها تأثيراً، وامتلاكها لمقومات الزعامة السياسية والاقتصادية والدينية، فإنها تنأى بنفسها عن سياسة الأحلاف والمحاور وفرض الرأي بالقوة. فالمملكة تبني سياستها على ثوابت ومبادئ أساسية، أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر، وتعزيز العلاقات ودعمها مع الدول الشقيقة والصديقة بما يخدم القضايا والمصالح المشتركة. كما تولي أهمية للعمل العربي المشترك وتوحيد الصف، لذا أكدت مع شقيقها العراق على أهمية تحقيق التضامن العربي، وما يقتضيه ذلك من التشاور والتنسيق، وتوحيد المواقف، وتسخير كل الإمكانات والموارد لخدمة الشعبين الشقيقين. فرئيس الوزراء العراقي يدرك أن زيارة سمو وزير الخارجية لبغداد فرصة ثمينة للعراق في المقام الأول، وأن المشكلات الضخمة التي تواجهه على المستوى الاقتصادي والتنموي والأمني والاستثمارات حلُّها في المملكة. لذلك يعمل الكاظمي منذ تسلمه السلطة على رسم سياسة داخلية وخارجية تتسم بالموضوعية والعقلانية، شاقاً طريقاً مغايراً لما سلكته الحكومات العراقية السابقة التي أصرت على إعطاء العراق وجهاً مذهبياً، متجاهلة هويته العراقية العربية، فمصالح العراق الاقتصادية مع أشقائه العرب أكبر وأهم لشعبه من المصالح المزعومة مع إيران التي جعلت منه حديقة خلفية لها، وحلاً لأزماتها المعقدة وتحويله إلى ساحة صراع مع الأميركيين. ويبدو أن أكثر ما يثير قلق إيران من محاولات العراق الانفتاح على المحيط العربي هو احتمالية خسارتها الرئة الاقتصادية الرئيسة لها في المنطقة، حيث تسعى وأذرعها الموالية إلى عرقلة أي تفاهمات اقتصادية قد تمثل منطلقاً للتخلص من نفوذها، إلا أن هذا الأمر لا يبدو ذا تأثير يذكر تحديداً بعد احتجاجات أكتوبر 2019م التي ارتكزت مطالبها على إنهاء النفوذ الإيراني. خلاصة القول إن الشعب العراقي الشقيق قبل غيره يعي مصالحه جيداً، ويعرف أن المملكة تتصدر سابقاً ولاحقاً مشهد مساعدته دون شعارات وأيديولوجيات لإخراجه من محنته، وتحقيق المصالح تتوقف على قدرة الجانب العراقي على التعاطي والتفاعل مع هذا الانفتاح، ويبدو أن الكاظمي أدرك ما سيخلفه هذا الانفتاح من خير لشعبه بعيداً عن أيديولوجيات مذهبية طائفية وجدت في الولاء لطهران عقيدة مقدسة تعلو على مصالح العراق.