يرى علماء الاقتصاد والإدارة الكفاءة على أنها الإنتاج الأعلى جودةً وقدراً بأقل مدخلات وتكلفة، وهذا التعريف البسيط يحمل في كلماته رأياً رشيداً يدعو لاستخدام الموارد استخداماً أمثل، تقل معه التكلفة ويتلاشى فيه هدر الطاقات والوقت في مقابل الحصول على ما نريد دون نقص، إذا كنا نحاول تحقيق التنمية المستدامة - والأرض بأمس الحاجة لتحقيقها - فإنه من المنطق جداً أن نفكر في مفاهيم الكفاءة حولنا ولا سيما في التعليم. نجد في أنماط التعليم التي جعلت من عصر السرعة قالباً لها تنوعاً خصباً في الوسائل والأدوات، ولكن الطريف فيها هو أن عمر نمط التعليم عن بعد قد تجاوز مئة عام من العطاء والثبات، وهو في كل مرة يقدم المزيد من الجودة والدقة، فقبل قرن ويزيد كان التعليم بالمراسلة وسيلة جيدة تلقى الاعتراف لمن لم يتمكن من الحضور لمقر الدراسة، وكان هذا النمط هو أول أنماط التعليم عن بعد، ثم عبر التعليم عن بعد كل الوسائل المتاحة كالراديو والتلفاز وصولاً إلى الانترنت ليحاكي القاعات الدراسية محاكاة دقيقة ومباشرة، وعبر هذا الزمن الطويل من الممارسة والتجربة أثبت التعليم عن بعد نجاحه مرة تلو مرة. في ظل هذه النجاحات ليس من المنطقي أن أتساءل عن تكلفة هذا النمط والقدر الذي سيوفره اقتصادياً وإدارياً وهي تبدو واضحة للجميع، وليس من المنطقي - كقارئ - أن أتساءل عن مدى نجاح هذا النمط وقد تجاوز مئة عام وهو في كل عام يزداد فتوةً وشباباً، ولكنني أتساءل وبشدة؛ لماذا مازلنا نتحدث عن مدى الاعتراف به حتى وإن كان مقدماً في جامعات عالمية عريقة؟ كم من البرامج القوية في جامعات عريقة كانت ستغذي أسواقنا بالمعرفة عزف عنها الشباب والشابات لأنها تقدم عن بعد فقط ولا سبب آخر غيره؟ ولماذا لا يكون نمطاً ثابتاً استثنائياً، على أن يكون مدمجاً بالحضور في المعامل والمحاضرات والحصص العملية فقط والتي لا تحتاج أكثر من يوم واحد للحضور في الأسبوع سواءً في المدارس أو الجامعات؟ كم من الطاقة والموارد ستتوفر لدينا؟ أليست الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها؟.