في أغسطس 2010 فقد وطننا الغالي أحد أبناءه المخلصين؛ الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي - يرحمه الله - وفي الذكرى العاشرة لرحيله تتداعى الصور والمشاعر وهو الحاضر في وسائل التواصل الاجتماعي رغم غيابه فما أكثر ما وصلني - وربما وصلكم أيضاً - عبر "واتساب" وغيره من الوسائل أجزاء من محاضرة ألقاها أو لقاء تلفزيوني كان ضيفاً عليه. لقد شكّل غازي الذي ولد في الهفوف لأبٍ نجدي وأم حجازية تنوعاً جميلاً كجمال تنوع مملكتنا الحبيبة وساهمت نشأته في البحرين ثم دراسته الجامعية في القاهرة وبعد ذلك نيله للماجستير من الولاياتالمتحدة ثم الدكتوراه من بريطانيا ساهمت في تكوين شخصيته المميزة عبر التجارب المختلفة التي مرّ بها. في العام 2004 أجرت المذيعة نيكول تنوري لقاءً تلفزيونياً مع الدكتور غازي وفي إحدى محاور اللقاء الذي امتد لأكثر من حلقة لم يُخف شغفه بالطبخ لو كان يجد الوقت الكافي فسألته نيكول: ألا تشعر بأن الرجل العربي عندما يقول إنه يحب الطبخ يقلل ذلك من رجولته؟! فأجاب إجابة رائعة لا تخلو من أسلوب السخرية التي برع في توظيفها في كثير من مقالاته ورواياته عندما قال: الرجل العربي عنده مشاكل كثيرة فهو يعتقد أن رجولته مرتبطة بشواربه أو عصاه أو هل الناس يخافون منه أو لا يخافون منه أو أن رجولته مرتبطة بكونه لا يتحدث مع أولاده أو الذي يرشّ عليه ماء يرش عليه دم! هذه عُقد أكل عليها الدهر وشرب، مقياس الرجولة هو الشعور بالمسؤولية. هل الإنسان المُهمل لأولاده وزوجته وعمله وعائلته هل هذا أستطيع أن اسميه (رجلاً)؟! بقدر ما يكون الرجل عنده التزام نحو عمله ونحو أهله وأصدقائه ونحو الإنسانية بقدر ما يصبح رجلا، معيار الرجولة في نظري مرتبط بالالتزام والمسؤولية). وفي موضع آخر من البرنامج قالت الأستاذة مشيرة عمران - سكرتيرة الدكتور غازي في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن - بأنها لن تزيد على وصفه بأكثر من كلمة إنسان لأنها كلمة جامعة وشاملة لا يقدّرها سوى الإنسان الحقيقي مستشهدة بمثال بسيط يحدث يوميا في السفارة حيث كان الدكتور غازي يتعامل مع جميع موظفي السفارة منذ دخوله لباب السفارة حتى منصب وزير مفوض بأسلوب واحد ويناديهم بطريقة واحدة لا تختلف حسب شخصية المنادى بل كانت كلمة واحدة هي الأخ الزميل أو الأخت الزميلة فالجميع كانوا متساوين لديه. وهذا درس عظيم لكل من يتولى أي مسؤولية في أي مكان؛ أما أحد أسرار محبة الناس له يرحمه الله فأظن أن ما ذكره في كتاب (حياة في الإدارة) في الصفحة 153 الطبعة ال13 يجيب عن ذلك حيث قال: (كنت أتابع بنفسي الترقيات وأستطيع القول إنه لم يكن هناك موظف منسيّ واحد وكان كل موظف يستكمل شروط الترقية يحصل عليها تلقائياً كما كان كل موظف يُرقّى يستلم رسالة تهنئة شخصية منيّ). يا له من سبب عظيم لمحبة هذا الشخص الذي لم يعتمد في الترقيات على معيار الأهل والعشيرة أو المحسوبيات التي تئن من جورها كثير من القطاعات. رحم الله أبا سهيل صاحب اليد النظيفة والقلب الذي كان ينبض وطناً. محمد بن سالم السالم