شاهدنا في الأيام القليلة الماضية إعلان هيئة الصحفيين السعوديين باتخاذها عدداً من الإجراءات الهادفة لضبط الممارسة الإعلامية وحماية المهنة من الذين ينتحلون صفة إعلامي وهم حسب تعبيرها بعيدون كل البعد عن العمل في هذا المجال، وفي الواقع أن هذا الإعلان أثار الكثير من التساؤلات حول من الإعلامي الذي يستحق هذه الصفة الاعتبارية؟ لا شك أن الواقع الجديد والمتسارع للإعلام فرض نمطا مختلفا ومربكا في نفس الوقت لطبيعة الممارسة الإعلامية ولمفهوم طبيعة الاتصال الجماهيري المتمثل في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بشكلها التقليدي، فطبيعة الإعلام الجديد لا تأخذ الشكل القديم كأسلوب في التواصل والمتمثل في الاتجاه الخطي الواحد أو مركزية المعنى، وإنما لكل شخص اليوم منصة إعلامية تفاعلية وتطبيقات اجتماعية من خلالها تتم ممارسة النشاط الاتصالي دون أي اعتبار لأخلاقيات العمل المهني، ومن هنا نجد الكثير ممن يسمون بالمشاهير خلعوا على أنفسهم صفة «إعلامي» على اعتبار أن لديهم محتوى وجمهورا يتلقى ويتعرض لهذا المحتوى يكون في كثير من الأحيان مؤثرا، وبالتالي فإن عناصر العملية الاتصالية مكتملة حسب المفهوم العلمي للمجال، ولكن أين الخلل؟ إذا ما حاولنا تعريف المشهور «النشط» سنجده ذلك الفرد الذي يقوم من خلال مجهود شخصي بتسليط الضوء على قضايا وفعاليات وأنشطة في المجتمع ويوميات ينقلها لمتابعيه من خلال منصته الإلكترونية، وهذا المفهوم والذي يتشابه إلى حد كبير مع مفهوم الصحفي نجد أن كليهما له هدف واحد هو إيصال المعلومات ونقل الرسائل إلى أكبر قدر ممكن من المتلقين بهدف إقناعهم، ولكن الخلط الحاصل والالتباس هو أن ما يحصل اليوم في السوشل ميديا أن هذا المشهور تحول إلى إعلامي لا يتصف بالمهنية والموضوعية الصحفية لكونه شخص من خارج المجال والتخصص والممارسة. ولكن الخلل ليس هنا وإن كان كارثياً على المجال، فالخلل على المجال الإعلامي اليوم عندما يحاول الصحافي أن يصبح مشهوراً على حساب مهنته التي تترتب عليها الكثير من الالتزامات الأخلاقية ومواثيق الشرف الإعلامي، فهو عندما يتحول إلى مشهور فإن تأثير هذه الشهرة والمتابعين على المستوى العاطفي سيفقده الكثير من الموضوعية وبالتالي يفقد صفته المهنية، البعض قد يتساءل، وما المانع أن يكون الصحافي مشهورا؟ عندما يركب الصحافي موجة الشهرة سعياً وراء الأضواء والنجاح الجماهيري فإن هذا سينعكس بدوره على قداسة مهنة الصحافة ورسالتها السامية في الحيادية والموضوعية، فالصحافي رجل لديه الكثير من الالتزامات الأخلاقية أهمها نقل الخبر دون أي تأثير عاطفي أو جماهيري. فإذا تقمص المشهور دور الإعلامي وبالمقابل تقمص الصحافي دور المشهور من شأنه أن يُحدِث حالة من صراع الهوية الثقافية، باعتبار أن الصحافة مهنة تنويرية تقوم على الإخبار والتفسير والتحليل، وهذا ما لا يستطيعه المشهور الآتي من خارج المجال والذي لا يعرف ما الإعلام تحديداً، ولا يستطيعه أيضاً الصحافي الذي غايته الشهرة على حساب المضمون.