صادق البرلمان اللبناني الخميس على حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة لأسبوعين في بيروت عقب انفجار المرفأ المدمر، في خطوة تثير خشية منظمات حقوقية لما قد تتضمنه من تضييق على الحريات خصوصاً التظاهر. وعقب الانفجار الذي تسبّب بمصرع 171 قتيلاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين، عدا عن مفقودين، يتوالى وصول مسؤولين أجانب آخرهم وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، على أن يصل لاحقاً مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل، وقالت السفارة الأميركية إن هيل "سيؤكد على استعداد أميركا لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب وتكون ملتزمة بشكل حقيقي بالعمل بناء على جدول أعمال إصلاحي". وفي الكواليس، تتكثّف الاتصالات السياسية في محاولة للاتفاق على هوية رئيس الحكومة المقبل، قبل أن يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تحديد موعد للاستشارات الملزمة مع الكتل النيابية. وصادق البرلمان الخميس على إعلان حالة الطوارئ في بيروت لمدة أسبوعين. وكانت الحكومة أعلنت غداة الانفجار حالة الطوارئ في بيروت حتى 18 أغسطس، من دون إقرارها في البرلمان. ويمكن للحكومة، وفق القانون، إعلان الطوارئ لثمانية أيام فقط بينما يتوجّب عليها الحصول على موافقة البرلمان في حال تجاوز هذه المدة. ولم يتضح ما إذا كانت مصادقة البرلمان تعني بدء نفادها من يوم الخميس، أم ستُحتسب ضمنها الأيام السابقة منذ الخامس من أغسطس. وقال مصدر عسكري لوكالة فرانس برس: إنّ "حالة الطوارئ سارية منذ أن أعلنتها الحكومة" وهي تعني عملياً "وضع القوى العسكرية كافة تحت إمرة الجيش من أجل توحيد المهمات وتنظيم مرحلة ما بعد الانفجار" في وقت يتسلم الجيش المساعدات التي تتدفق على لبنان من دول عربية وغربية ويشرف على توزيعها. وتثير حالة الطوارئ، التي تتسلّم بموجبها السلطات العسكرية زمام الأمور، خشية منظمات حقوقية وناشطين. وعبّرت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش آية مجذوب في تصريح لفرانس برس عن مخاوف من "استخدام حالة الطوارئ ذريعة لقمع الاحتجاجات والقضاء على المطالب المشروعة لشريحة واسعة من اللبنانيين". وقالت "المفكرة القانونية" من جهتها وهي منظمة غير حكومية تُعنى بدرس القوانين وتقييمها، في بيان الأربعاء إنّ إعلان الطوارئ "غير مبرر طالما أن الكارثة لم تترافق أقله حتى الآن مع أيّ خطر أمني". إلا أن المصدر العسكري شدد على أن حالة الطوارئ "لا تتضمن قمع حريات أو أي شيء آخر"، مؤكداً "نحن مع حق التظاهر السلمي حتى خلال حالة الطوارئ". واستهلّ البرلمان جلسته المقتضبة، التي قاطعها حزب القوات اللبنانية، وأقيمت وسط تدابير أمنية مشددة، بقبول استقالة سبعة نواب كانوا قد تقدموا بها عقب الانفجار. ورغم دعوات وجهها ناشطون ومجموعات مدنية للتظاهر قرب مكان اجتماع البرلمان في قصر الأونيسكو، إلا أن الحضور كان خجولاً. وبضغط من الشارع، استقالت الاثنين حكومة حسان دياب التي ضمت اختصاصيين ودعمها حزب الله، فيما يطالب المتظاهرون في الشارع برحيل الطبقة السياسية مجتمعة وكل المسؤولين المتهمين بالفساد وعدم الكفاءة. ولم تحدد دوائر القصر الرئاسي بعد موعداً للاستشارات النيابية التي على رئيس الجمهورية أن يجريها مع الكتل الممثلة في البرلمان من أجل تسمية رئيس جديد للحكومة. ودعا رئيس البرلمان نبيه بري الخميس إلى "الإسراع في تأليف حكومة، بيانها الوزاري الإصلاحات ومحاربة الفساد". وقال مصدر سياسي بارز إن بري "يريد أيضا توجيه رسالة سياسية - بأن البرلمان موجود - برغم كل الحديث عن انتخابات مبكرة واستقالة أعضاء المجلس". إعادة إنتاج النظام ويبدي محللون ومتظاهرون خشيتهم من أن تجد القوى السياسية التقليدية في الدعم الدولي الذي يحظى به لبنان منذ الانفجار فرصة ل"إعادة تعويم" نفسها. ومن المتوقّع أن يثير هذا التوجه غضب الشارع، في وقت تطالب جهات شعبية وسياسية عدة منذ فترة ب"حياد لبنان"، في رسالة واضحة إلى حزب الله بضرورة التخلي عن سياسته الموالية لإيران وسورية.