أوصى كثير من المتوفين بأن يُضحى عنهم وعن والديهم كل عام، ووضعوا أوقافاً تصرف على الأضاحي إما بكامل إيرادها أو بجزء كبير منه، وأكثر تلك الأوقاف عقارات تضاعفت أسعارها وإيراداتها عشرات المرات بعد وفاة الموصين، فتجد من يضحي عن والديه وأجداده بعشر أو أكثر من الأضاحي السمينة جداً والمرتفعة الثمن، لأن إيراد الوقف جزء منه يفوق قيمتها أضعافًا مضاعفة، هنا يحسن الاكتفاء بأضحية أو اثنتين عنه وعن أهل بيته وعن أمواته، ويدفع جزء من ماله ويصرف باقي الوقف صدقات عن أمواته الموصين، يدفعها نقدًا للفقراء والمحتاجين والجمعيات الخيرية المرخصة، فإنه لا خلاف بين العلماء في وصول ثواب الصدقات عن الأموات إليهم، أما الأضحية عن الميت فإن في جوازه خلافًا بين العلماء، كما أن مراعاة ظروف المسلمين أمر وارد في الشرع المطهر، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إدخار لحوم الأضاحي ثم أجازه، وذكرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النهي كان وقت المجاعة، ورُخص لما حلت السعة.. وفي عصرنا عامة وبلادنا خاصة اللحوم وفيرة بفضل الله عز وجل، وأضرار الإكثار منها معروفة، فلعل الأولى الاقتصاد في عدد الأضاحي في الأوقاف والوصايا وغيرها، وصرف الفائض من إيراد الوقف للمحتاجين بشكل نقدي، لأن الإسراف في عدد الأضاحي لم يرد، فالرسول صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عنه، عليه الصلاة والسلام، وعن أهل بيته وعن أمته كلها، فلماذا التجاوز والإسراف على حساب الصدقات وأوجه البر الأخرى، مع ما في الإسراف بأضاحٍ كثيرة من هدر للثروة الحيوانية وللمياه والأعلاف، وكون ذلك مظنة للتسبب في أمراض النقرس والقلب والضغط والكوليسترول، وربما دخل التفاخر فشاب النحر رياء.. إن الأضحية من أفضل القربات إذا لم يخالطها غلو ولا رياء.. تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير وصحة ورضوان من الله عز وجل.