اختيار مرشح لعضوية المحكمة العليا يعد في المشهد السياسي الأميركي بمثابة أم المعارك، وتعد قدرة الحزب على تعيين عضو يدافع عن مفاهيم وقيم الحزب داخل المحكمة العليا من أهم الإنجازات التي تسجل في تاريخ الفرع التنفيذي-الرئيس الأميركي، فلماذا كل هذه الأهمية التي يحظى بها عضو المحكمة العليا في أميركا؟! تنقسم الحكومة في الولاياتالمتحدة الأميركية إلى ثلاث سلطات، تشمل: فرع السلطة التنفيذية المتمثل في الرئيس، والتشريعية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب والقضاء في المحكمة العليا الذي هو محل نقاش هذا التقرير؛ نظراً إلى أن المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في البلاد، يتم ترشيح عضو المحكمة العليا من قبل الرئيس الأميركي، وتتم الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ، عضوية المحكمة غير مقيدة بفترة زمنية أو دورة انتخابية، تنتهي عضوية عضو المحكمة العليا إما بالتقاعد أو الاستقالة، أو الوفاة، أو عزله -في حال ثبوت تهمة فيدرالية ضده- وهو ما حدث مرة واحدة فقط في التاريخ الأميركي وذلك في عام 1805، وهذا يعد من أهم المقومات التي أكسبت هذا المنصب أهمية تفوق أهمية الرئيس الأميركي! عضو المحكمة العليا في الأصل يجب ألا يكون ذا انتماءات سياسية، لكن الواقع يحمل حقيقة أخرى، خصوصاً مع عمق الانقسام في المشهد السياسي خلال العقدين الماضيين، لذلك أصبح المرشحون للمحكمة العليا موضوعاً سياسياً ساخناً وله ثقل مهم في صياغة المشهد السياسي على مستوى الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الشيوخ، أو اعتماد تشريعات الفرع التنفيذي. تعيين قاضٍ داخل المحكمة العليا يتبنى تشريعاتٍ تتوافق فكرياً مع الحزب كما ذكرنا يعد من أهم الأهداف التي يحرص الناخب الأميركي على تحقيقها، وذلك من خلال انتزاع الفرع التنفيذي والأغلبية داخل مجلس الشيوخ، وهو ما تحقق بالفعل خلال انتخابات 2016 و2018، وتم استغلاله من قبل ترمب بشكل كبير، وذلك بعد تعيين عضوين من أصل تسعة أحدهما رئيس المحكمة وهو نيل غورسغ، والآخر عضو وهو بريت كافانا وكلاهما ينتمي إلى فكر المحافظين. الناخب الجمهوري والمحافظون منهم على وجه الخصوص يدركون بأن المحكمة العليا مازالت بحاجة إلى مزيد من الأعضاء اليمينيين، خصوصاً أن أحد الأعضاء الخمسة المحسوبين على الحزب الجمهوري وهو جون روبرتس أظهر مواقف ضعيفة تجاه تشريعات ذات طابع لا يمثل الفكر المحافظ، بالرغم من أن روبرتس تم تعيينه من قبل رئيس جمهوري وهو جورج دبليو بوش الابن، بالإضافة إلى وجود فرصة ذهبية يمكن أن تعزز تواجد الفكر اليميني وتتمثل في قاضية المحكمة العليا روث جينسبورغ ذات ال87 عاماً والانتماءات الفكرية اليسارية، والتي كافحت مع مرض السرطان على مر السنين وأزيل منها ورم في سبتمبر 2019 وخلال هذا العام قضت وقتا طويلا داخل المستشفى، وبالرغم من ذلك كله مازالت تتشبث بمقعدها لكي لا تتيح لترمب تحقيق إنجاز ثالث داخل المحكمة العليا؛ لأنه في حال وفاتها ستكون فرصة ذهبية للحزب الجمهوري كما ذكرنا لتعزيز تواجد فكر اليمين داخل المحكمة العليا. هذه الصورة داخل المحكمة العليا ستنعكس بشكل إيجابي على حظوظ ترمب الانتخابية وحظوظ الجمهوريين في انتزاع الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، فالحزب بحاجة لفترة ثانية ليتمكن من السيطرة على أهم السلطات الثلاث المتمثلة بالمحكمة العليا، وذلك من خلال انتزاع مقعد واحد فقط على الأقل، والفرصة متاحة مع تردي الحالة الصحية لروث جينسبورغ، وبذلك سيضمن اليمين خط دفاع مهم عن المفاهيم المحافظة إلى أجل غير مسمى، وهنا يأتي دور الناخب الأميركي الذي أصبح يدرك حجم الانقسام والخطر الذي يحمله فقدان هذه الفرصة.