ها هي الكورونا ترعص، هجمة هنا وهجمة هناك لتسترد فلاشات كاميرات الصحافيين والصفحات الأولى للصحف ومواقع التواصل، تعاود الكورونا الظهور في دول كاليابان التي كادت تنجو من دفع الثمن الباهظ الذي تكبدته دول العالم الأخرى بسبب الكورونا، هذا بالإضافة لسراحها في دول كالولايات المتحدة والهند مثلاً التي تجاوزت الإصابات فيها المليون من أصل 1.3 مليار نسمة، أيضاً تأخذ الكورونا قضمات في قرى صغيرة بأسبانيا ومثلاً في جنوبفرنسا وشمالها الغربي حيث تظهر في مواقع فاتتها في الهجمة الأولى مثل منطقة بريتاني. تقابل شهوة الكورونا للظهور شهوة سيد الإعلام الاقتصاد، والذي تلقى ضربة قاضية من الكورونا في كافة أنحاء العالم، ومما يدهش أن الاتحاد الأوروبي قد استفاد بشكل ما من فداحة خسائر الكورونا، إذ حقق ولأول مرة منذ تاريخ إنشائه حلم الكونفدرالية أو الوحدة، حيث ولأول مرة يلتفت الاتحاد لذاته ويتصرف ككينونة واحدة تتشاطر الخسائر وتقدم الضمانات والحماية لكافة الأعضاء بلا استثناء، حيث نرى هذا المبلغ الضخم 750 مليار يورو، والذي رصد من البنك المركزي الأوروبي ليتم توزيعه حسب مقدار تضرر كل دولة، لتظفر إيطاليا بنصيب الأسد من ذلك المبلغ لتحصل على 172 ملياراً بينما تنال أسبانيا مبلغ 140 ملياراً وفرنسا 35 ملياراً بينما ألمانيا الأقل تضرراً ستكتفي بمبلغ 29 مليار يورو فقط. أرقام على أوراق تذوب حين تهبط لأرض الواقع، حيث ال 172 ملياراً تعني 2 يورو للفرد، فأي ثقب سترتق وأي جرح ستضمد، لكن المغزى الرمزي وراء هذا الدعم المادي والذي هندسته الشراكة الفرنسية الألمانية يتجاوز الضخ الفعلي ودفع اقتصاد تلك الدول المتضررة، المغزى يتلخص في رسالة طمأنة للفرد الأوروبي وخصوصاً في دول الجنوب التي تراود بعض أفراده أحلام الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وذلك للتغلب على الخوف من فكرة الاتحاد الذي غالباً ما يطلب من تلك الدول القيام بخطوات إصلاحية للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية، مثل اتباع نظم التقشف ورفع الضرائب وتخفيض الإنفاق العام الذي غالباً ما يصيب مجالات التعليم والصحة، وغيرها من الأنظمة المتشددة التي تشعر الفرد العادي بالخطر وبالافتقار للحماية الصحية والاقتصادية، لذا فإن الموقف الإنقاذي الأخير المعقب للكورونا يثبت للفرد الأوروبي أنه لم يتم التخلي عنه وأنه ضمن حماية الاتحاد. مواقف يقود لها السيد كورونا، ويتكشف للمجتمع الدولي نقاط القوة ونقاط الضعف في تركيباتها الاجتماعية وأنظمتها الاقتصادية، وبالنتيجة تفهم الدول الأهمية القصوى للاعتماد على الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي، والتأكيد على أهمية التجمعات القائمة على المصالح المشتركة، حيث يظهر الموقف الألماني المتسامح مع سكب هذه المبالغ في خزائن الدول الأضعف، التسامح الناتج عن فهم ألمانيا أهمية السيولة المادية في تلك الدول التي تستغلها لشراء المنتجات الألمانية. نظريات وحسابات دقيقة تتبدل مع كل دورة للزمن ومع كل هجمة للكوارث الطبيعية. حسابات تفوق قدرة الفرد العادي، لكنها مثيرة للاهتمام. نراقب بانتظار المزيد من التحولات في عالمنا الذي ما زال على كف عفريت.