لا إله إلا الله، محمد رسول الله. لم أنل شرف لقائه وجهاً لوجه، لكنني - منذ ما يقارب الستة أعوام وتحديداً قبيل صدور العدد (2337) من مجلة اليمامة - التقيته عبر اتصال هاتفي جمعنا مرة واحدة فقط لمدة لا تتجاوز الدقائق العشر، في موضوع لم يتعد الغرض منه جوانب الحرف والقلم ومداد الثقافة والأدب، إلا أن تلك المرة الوحيدة بدت كما لو أنها تكررت مرات عديدة أستشعر جمالها كلما حملتني الذاكرة إلى ترحيبه الباذخ الذي جعل من هاتفي كما لو أنه من صديق قريب يعود بعد غياب، وكذلك بدت تلك الدقائق العشر وكأنها لم تزل مستمرة حتى اللحظة؛ فها هي حميمية صوته تنساب من سمعي إلى كل جوارحي دونما توقف، ودونما توقف أيضاً أخذ الحوار في التنقل بين ما يسكن فكره من هموم تعكس نزاهة مبدئه، وأصالة معدنه، ورصانة منطقه، اتصال هاتفي سريع جداً قياساً بحكم الزمن، لكنه اكتسى بالكثير من الرقي والذوق، فباتت معالمه محفورة على جدار ذاكرتي ومسكونة في ثنايا حروف متواضعة نالت عنايته وهو يسكنها رحاب مجلته الراقية في زاوية مضيئة أراد لها عنواناً يليق بأناقة سمته "إبداعات". إنه صاحب هذا الطيف النقي في إنسانيته، والعلي في تواضعه، والأبي في حمل راية الإنجاز بهمة ومسؤولية واقتدار. غفر الله لي؛ كيف لم أعاود مهاتفته مُعزياً في وفاة رفيق دربه الإعلامي الرمز تركي السديري؟! وغفر لي؛ كيف لم أعاود مهاتفته مُهنئاً له ما تحقق من نجاحات، وغفر لي، وسامحني، ورحمني من عتاب نفسي، على قلة حيلتي وتقصيري؛ كيف لم أقم بواجب عيادته في مرضه. إنه صاحب هذا الطيف الذي ترتبك أمام قامته الألقاب، إنه الإنسان الاستثنائي شاهق الفكر وناطق الحرف الإعلامي الفذ فهد العبدالكريم، أنزل الله عليه شآبيب رحمته وأسكنه فسيح جناته، وعظم أجر أسرته في بيته، وأسرته في مجلة "اليمامة" و"جريدة الرياض"، وأجر العاملين في ميادين الصحافة والإعلام بلا استثناء، وأجري معهم، وألهمنا جميعاً الصبر وصادق الدعاء. "إنا لله وإنا إليه راجعون". * عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين