خطوة رائعة ومشروع جبّار أعلنته وزارة الثقافة مؤخرًا، تمثّل في إطلاق مبادرة تطوير المكتبات العامة في المملكة، ستتولى إدارتها هيئة المكتبات، وستعمل من خلالها على تحويل المكتبات العامة إلى منصّات ثقافية بمفهوم حديث، تلتقي فيه كل أنماط الإبداع الثقافي. وقيمة وأهمية هذه المبادرة أنها تتجاوز التعاطي التقليدي مع الكتب والمكتبات؛ فقد أوضحت الوزارة في حيثيّات إنشائها، أنها تستهدف إنشاء 153 مكتبة عامة في مناطق المملكة، بحلول عام 2030، وإكمال 13 مكتبة منها في 2022م؛ وهو ما يعني أن القراءة والكتاب سيصبحان زادًا يوميًا لكل شرائح المجتمع؛ عبر تأميم الكتب وجعلها متاحة للجميع؛ وهو توجّه حضاري يمثّل أرقى درجات التحضّر، فالقراءة والكتاب هما من يصنعان الوعي والاستنارة، ويصوغان الشخصية، ويعززان الهوية والانشداد للجذور والتراث وما يفضي إليه. إن هذه المبادرة قادرة على خلق مجتمع واعٍ ومُحصّن ضد غلواء الأفكار المتطرّفة والسلوك العدواني، الذي يتسلّل بسهولة لعقول الناشئة الذين لم يتزوّدوا بالأفكار السوية والمعتدلة؛ ولا شك أن الحاجة باتت ملحة لتحصين عقول شبابنا بالنهج الفكري المعتدل، سيما أنّ هناك من يستغل هشاشة التكوين الفكري لشبابنا، ويحاول أن يزرع في عقولهم الفكر الدوغمائي المتطرّف، الذي يستغل حماسة الشباب واندفاعهم مستغلّين تلك الهشاشة لاستمالتهم عاطفيًا ودينيًا تحت ذرائع في ظاهرها الخير، فيما هي تُضمر الشرّ والكيد والعدوان على بلادهم من قبل جهات خارجية لا تضمر لدولنا سوى الشرّ والكيد والخديعة. إن هذه الخطوة باتجاه تطوير المكتبات خطوة رائعة باتجاه «أيْقَنَةِ» الجمال وتعزيز رأسمالنا الثقافي والرمزي؛ فالمكتبات شكل حضاري يمثّل أرقى تمظهرات الرُّقيّ. تاريخ المكتبات والكتب حافل بقصص تُظهِر اهتمام العلماء والمفكرين والمثقفين عمومًا بالكتب والمكتبات الخاصة في منازلهم؛ فقد كانت المكتبة للعالِم والمفكّر هي منتداه الفكري والثقافي، الذي يلجأ إليه للاستزادة من المعرفة والعلم وإجراء مباحثه الفلسفية والفكرية، واستقصاء المعلومة من مظانّها. لقد كانت المكتبة للكاتب والعالم والباحث عمومًا قيمتها العظيمة؛ فهي تُمثّل صورة للفكر والترقّي في مجال العلوم والأدب وشتى شؤون الثقافة بشمولها وتنوّعها الرحيب. ومن المهم التعريج على أبرز أهداف هذا المشروع «تطوير المكتبات العامة في المملكة»، التي تركّز على تحويل المكتبات إلى منصّات ثقافية تفاعلية تحتضن المبدعين بمختلف تخصصاتهم، إضافة إلى تعزيز مفهوم البيوت الثقافية التي تجعل من المكتبات العامة منارات إشعاع ثقافي في المناطق التي توجد فيها؛ وإتاحة الفرصة للأفراد من مختلف شرائح المجتمع للمشاركة والتعلّم والتفاعل في تجربة ثقافية متكاملة.