القدرة أو الطاقة أو التقنية النووية عرفها الإنسان منذ ما ينوف عن سبعة عقود وتم استغلالها والاستفادة منها في كثير من الدول في الأغراض السلمية وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لتطوير الأبحاث الطبية والصحية وتحسين المنتجات الصناعية والزراعية مما أتاح لهذه الدول استشراف حاجات مجتمعاتها والتخطيط لتلبيتها بشكل مدروس ونظام دقيق يساعد في زيادة معدلات التنمية ويمنحها القدرة المعرفية ضمن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي، التي تنظم استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية وتفتح بابًا واسعًا للمساهمة في تطوير العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة النووية والمتجددة في الأغراض السلمية لما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، وبخاصة أن العالم بأسره يشهد نموًا مطردًا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة وبخاصة في الدول التي تفتقر لمياه الشرب واستجابة للنمو السكاني والامتداد الحضري بها. وإذا كان ثمة هاجس نحو هذه الطاقة باعتبارها أكثر مصادر الطاقة حساسية وأشدها إثارة للجدل والهواجس كونها قد تُستخدم في صنع القنابل النووية أعظم الأسلحة فظاعة وفتكًا وتدميرًا بيد أن هناك بالمقابل جهودًا كبيرة بذلت وتبذل أثناء عمليات تصميم المفاعلات النووية وبنائها من أجل الوصول إلى أعلى درجات السلامة والموثوقية والأمان. ومن المعروف أن كل دولة تستخدم الطاقة النووية في الأغراض السلمية تنشئ هيئات رقابية حكومية مستقلة لمراقبة استيراد وتركيب وتشغيل وتخزين كل الأجهزة والمواد التي يصدر عنها إشعاعات ضارة بالصحة والبيئة والمسطحات الخضراء والكائنات النباتية والحيوية، ويصبح وجود هذه الهيئات الرقابية أكثر ضرورة وأشد إلحاحًا عند البدء ببناء مفاعلات بحثية أو مفاعلات لإنتاج الطاقة. إن اعتماد خيار الطاقة النووية يرتكز أساساً على عدة عوامل جوهرية منها التخلص من نفايات الوقود النووي في أماكن تدفن فيها (عميقاً) تحت سطح الأرض بإيجاد تقنيات حديثة آمنة بما لا يضر بالبيئة أو المناطق المحيطة بها، كذلك مدى تفادي حوادث المفاعلات النووية وعدم تسرب إشعاعاتها النووية وذلك يستدعي جهودًا إضافيةً وخططًا استباقية لتلافي مثل تلك الحوادث المريعة وتجنب مخاطرها المدمرة وآثارها الماحقة. كذلك توفير المهارات حيث يتطلب ذلك جهدًا ووقتًا وتمويلاً. ولا يمكن أن نغفل هنا أيضًا عن مدى الحاجة للبحث والتطوير لإيجاد المهارات والكفاءات المؤهلة والمدربة في علوم الطاقة النووية على إنتاجها وإدارتها والهيمنة عليها مما سيؤمن اندفاعًا في مجالات البحث والتطوير يهدف الاستغلال الأمثل للطاقة النووية كمصدر ثري وآمن من مصادر الطاقة المستقبلية يمكن الركون إليه والوثوق به والاعتماد عليه. إن حجم التحديات المصاحبة لقضايا مصادر الطاقة وتأثيراتها على السلامة والصحة والبيئة ستبقى في العقود القادمة كبيرة ومثيرة للجدل، ويبقى على الدول التي تمتلك القدرات الذرية والنووية أن تساهم في تطوير مفاعلات تكون أكثر أماناً وأقل تكلفة وأفضل جذباً للاستثمار التجاري، بيد أن القرار يبقى غير كافٍ إذ يجب أن يسبقه قرار بإعداد العلماء والمهندسين والفنيين القادرين على مواكبة تصميم وتركيب تلك المفاعلات وتشغيلها بكفاءة وأمان. ويمكن القول: إن هذا القرار يجب اتخاذه بغض النظر عما إذا كان ثمة خطط لبناء مثل تلك المفاعلات النووية أم لا، فبدلاً من أن نوجه طلابنا نحو دراسات لا تجدي نفعًا، يتوجب أن يكون هناك توجيه نحو دراسات الطاقة النووية للأغراض السلمية حيث إن الحاجة لوجود علماء ومهندسين وفنيين في ميدان الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لهو حاجة جلية وملحة سيما في وقتنا الحاضر وقبل أن يفوتنا القطار ثم نتطلع حولنا فنجد العالم قد سبقنا ونحن ما برحنا نراوح مكاننا إذ يجب أن نسابق الزمن ونلحق بالركب قبل فوات الأوان. * أستاذ الهندسة الكهربائية