"كان الشرق الأوسط مهد ثلاثة من أديان العالم الكبرى، من رحم جغرافيته المتجهمة القاسية خرج عددٌ من الغزاة الفاتحين والأنبياء رافعين عاليًا رايات طموحات كونية شاملة. ما من صيغة من صيغ النظام الداخلي الوطني والدولي إلا وقد كان موجودًا هنا" بهذه الكلمات وصف هنري كيسنجر الشرق الأوسط في كتابه (النظام العالمي). وغنيٌّ عن القول ما يمثله الشرق الأوسط من أهمية إستراتيجية وحيوية، بحكم موقعه الجغرافي في قلب العالم القديم، وما يكتنزه من ثروات طبيعية ومصادر مهمة للطاقة، فضلًا عن القِيَم المعنوية والروحية؛ إذ يضم أهم بقعتين مقدستين للمسلمين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وكذلك مدينة القدس التي تمثل قيمة وجدانية لدى الأديان السماوية الثلاثة، والآثار والحضارات الإنسانية التي قامت فيه عبر التاريخ. ولذلك كان حاضرًا على الدوام في تطورات العالم وتحولاته، ومسرحًا لكثير من أحداثه، وتتنازعه الرؤى والمطامع والصراعات، وفي العصر الحديث ومع تشكلات النظام العالمي الجديد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من بداية الحرب الباردة، وبروز المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. المملكة منذ تأسيسها ظلت محافظة على نظامها السياسي، وشكل الدولة فيها، وانصرفت إلى تنمية محلية داخلية تنمو باطراد، مع سياسة خارجية معتدلة ،تراعي الأمن والسلم الدولي، وتحترم قواعد الشرعية الدولية وتتماشى معها، فيما تهاوت مشروعات الدول الأخرى التي اتسمت بالأحلام التوسعية، ومحاولة فرض إيديولوجيتها التي تنطلق منها - سواء أكانت إسلاموية أم قومية-، وزعزعة استقرار المنطقة، واستنزاف مواردها، وتعطيل التنمية فيها، وانخرطت دول أخرى في دعم أنشطة الإرهاب والتخريب في المنطقة، وفقدت رصيدها السياسي وقيمتها الأخلاقية - لاحقًا حاولت دول أصغر القيام بهذه الأدوار، لكنها لا تشكل وزنًا ذا قيمة في ميزان القوى الإقليمي ومن ورائه النظام العالمي-. التفرد السعودي والتحليق خارج السرب، أشعل ظغائن مجتمع الفاشلين من بقايا هذه المشروعات الخاسرة وأنصارها، الذين ما برحوا يهاجمون السعودية منذ أمَدٍ بعيد وبضجيجٍ عالٍ في بعض الأوقات، ويحاولون النيل منها باستمرار، واستغلال كل حدث مر عبر هذه العقود يتوهمونه في مصلحتهم لتجييش الرأي العام الإقليمي والدولي ضدها - مثل اتهام المملكة بدعم الإرهاب أثناء أحداث 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة-، وهم من يقدم المعلومات المغلوطة والمواد الخام لمنابر الإعلام ومنصاته الدولية في شرق العالم وغربه لمهاجمتها، ويتحالف معهم في ذلك تيارات ذات مواقف عدائية مبدئية تجاه الإسلام كدين والعرب كأمة، وانضم إليهم لاحقًا من العالم الغربي مؤيدو مشروع الفوضى الخلاقة في العالم العربي، والطامحون لانهيار كيان الدولة فيه لدعم منظمات وجماعات إرهابية تسعى للوصول إلى السلطة ليتحقق لهم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع أحلامهم وطموحاتهم، التي تتنافى حتمًا مع مصالح دول المنطقة وشعوبها، ولا يمكن تجاهل فئات أخرى تتعارض مصالحها مع مواقف ومصالح المملكة الوطنية. استمرار النجاح السعودي الذي تجاوز محاولاتهم في تعطيله - فضلاً عن أحلام بعضهم الكبرى بانهياره-، والمتعاظمَة إنجازاته على كل المستويات مدعومةً بالإصلاحات الإدارية والاجتماعية الضخمة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله-، ومحاربة الفساد، وإطلاق رؤية 2030 برعاية ومتابعة سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان-حفظه الله- بما تحتويه من برامج متعددة تعيد هيكلة اقتصاد الدولة، وتدعم مواردها، وتنوع مصادر الدخل فيها بما يضمن استدامة هذه الإنجازات وتعزيزها، إضافة إلى شحذها لطاقة شبابية تتمتع بتعليم عالٍ في مختلف التخصصات والعلوم من جامعات ومعاهد محلية ودولية، فرض على أولئك المناوئين والمخاصمين للمملكة باستمرار سباقًا مع الزمن لاستدراك ما يمكنهم استدراكه بإفشال هذا النجاح وهذه الرؤية، أو على أقل الأحوال إبطاء سير العجلة بصرف الاهتمام نحو قضايا وصراعات هامشية وجانبية وإثارة الجدل حولها. بقي أن أقول بصفتي مواطنًا سعوديًا قرأ كثيرًا من تاريخ وطنه، وقصص النجاح فيه، وتجاوزه لكثير من التحديات، فإنني أثق بشكل مطلق بأن بلادي ستبلغ هدفها، وتحقق طموحاتها، وتواصل مسار النجاح الذي تُحسن دومًا السير فيه، وتضيف صفحات جديدة لملحمة البطولات التي قامت عليها.