مثل أي حدث يمر به العالم، فإن فيروس كورونا، سيجبر كثيراً من الدول على إعادة النظر ومراجعة الكثير من أساليبها في أداء الأعمال وكذلك العلاقات التجارية والاقتصادية بين بعضها البعض. وكما ذكر وزير الاقتصاد الألماني لوكالة رويترز ونقلته عنها بعض الصحف «إن جائحة فيروس كورونا أثبتت اعتماد أوروبا أكثر مما يجب على دول أخرى في الحصول على بعض الإمدادات الطبية، وأنه يجب على الدول الأوروبية التعاون لتنويع سلاسل الإمداد الدولية بشكل أكبر». إن مثل هذا القول لا يتماشى مع ما كانت تقوم عليه العلاقات التجارية والاقتصادية من فكر وفلسفة خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية. كانت العولمة تقوم على أساس أن الدول يجب أن تتعاون مع بعضها البعض، وتفتح أسواقها لبعضها البعض دون قيود أو حدود. كان ذلك الفكر يستند على أن كل دولة لديها من المزايا والإمكانات ما يميزها عن غيرها، مما سيجعلها ستكون أكثر كفاءة حينما تركز على إنتاج ما يمكّنها من استغلال مزاياها وبالتالي يتكامل العالم ويستطيع أن يستغل ما لديه بطريقة أفضل، وتسمح حرية التجارة بتبادل السلع والخدمات بين الدول في محيط أسواق مفتوحة تحكمها ضوابط مرنة ومشجعة على ذلك. كما قال الوزير الألماني يبدو أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً بعد كوفيد 19، إذ إن الدول ستراجع سلاسل إمداداتها واعتمادها على غيرها في إنتاج ما تحتاجه، أو بعض ما تحتاجه من مكونات تدخل في صناعتها. وإذا كانت أميركا وأوروبا التي رفعت شعار العولمة، ونادت بحرية التجارة، بدأت تطالب بأهمية التفكير ومراجعة أساليب التصنيع والتجارة السائدة حالياً، فإن الأولى بغيرها، وبالذات تلك الدول التي تزداد اعتماديتها على غيرها، وبلدنا واحد منها، أن تعيد النظر في استراتيجياتها وخططها الصناعية كي تخلق صناعة قادرة على أن تدعم بعضها البعض، وتعتمد على مكونات تصنع في الداخل دون أن ترهن نفسها ومستقبلها لغيرها من الدول، حيث إن لدينا مشروعات عملاقة في مجالات البتروكيميائيات والطاقة والمياه والخدمات اللوجستية وغيرها الكثير، بإمكانها أن توجد شبكة من الصناعات المتداخلة والمكملة لبعضها البعض، وبالذات بعد أن تم الاهتمام بموضوع المحتوى المحلي وإقرار نظام المشتريات الجديد، ولعل ذلك ما عناه وزير الصناعة حينما قال «إن أزمة كورونا رغم شراستها نتج عنها بعض المكتسبات التي ستخدم القطاع الصناعي على المدى الطويل».