لك، نعم شكراً بوزن المقال معنىً أن زرت كلماتي تقرأها صمتاً هذه اللحظة! كان من أدب البدايات أن استهِلّ مقالي بك، ظناً مني أن الأفعال تُصادقُ الكلمات، تفتح لها المساحات كي تستقر في جوهر الفؤاد. الشكر، كلمة عجيبة تَرجحُ بكل كف ميزان، تُزمزم المعاني، تختصر الكلمات، وتجسّر الامتنان في أبسط اللغات، وأمام عظيم الوقفات واللحظات. هي دلالة النضج الأخلاقي، والوعي الوجودي بالتفاصيل الصغيرة، وِثاق المجتمع الواحد وركيزة التسلسل العطائي بين أفراده. حين نتحدث عن هيكلة وتشييد البنيان المجتمعي المتين، وجَب أن نؤصِّل للمفهوم الكوني للشكر، وارتباطه الموثوق بالشَّكور سبحانه، وترجمتِه في علاقتنا بالإنسان كحامل أمانة.. فالشكرُ يعني العطاء.. الشكرُ يعني الدوام والاستمرار. دراسة أصدرتها كلية هارفارد الطبية في نشرتها الصحية، أكدت فيها أثر الشكر في صناعة وتشكيل معاني السعادة وتوثيق الروابط الإنسانية في المجتمع. بل وأكّد العديد من الخبراء والمختصين النفسيين من خلال مقالات مختلفة منشورة على منصة علم النفس اليوم الإلكترونية "Psychology Today" الآثار الإيجابية على الصحة النفسية والجسدية والثقة الذاتية، ومدى فعالية الشكر في تنمية التعاطف ونبذ العدوان والكراهية. ليس ذلك وحسب، بل وفي مقالة أخرى نشرتها مجلة الأثر الأكبر "Greater Good" لجامعة بيركلي الأميركية، أثبتت فيها أن لكلمة "شكراً" أثراً إيجابياً متعدياً يتجاوز الشاكر والمشكور، في نمطٍ متموج مستمر يصل للمئات وربما للآلاف من المجتمع المحيط.. الشكر أثر متجاوز. نعم لهذه الكلمةِ كل هذا الأثر وأكثر، فهي سلسالٌ مَكِينٌ من المعاني السلوكية الإيجابية، صدقة جارية تدهش القلب وتحتضن الأحزان وتجمع الإنسان بالإنسان. نحن "في زحامٍ من النعم"، نعيش حمّالين للخير لبعضنا، منافذ للعطاء والإحسان، يزّينها الشكر والعرفان. لذلك وجب أن نتعلم الامتنان، أن نربّي الأنفس على المبادرة والتعبير، أن نكون قناة سلام تعزز المحبة والاتصال. تناول قلمك، احمل هاتفك، مُد يدك، لتبث رسالة شكرٍ لكل معروف شمِلك، لكل إنسان علّمك، ولكل صديق حملك. اجعلها عادة، لغة جديدة تتحدثها، قُصاصة صغيرة تضعها، لوحةً ثمينة تعلقها بقلبك قبل بيتك. بالنسبة إلي، أهديك هذا المقال، مغلفاً في صندوق من الامتنان، ليعبُر الشكر من خلالك إلى أقصى مدى، ونتجاوز به كل الأسى، ونؤسس لمنظومة أخلاقية يتسيّدها الشكر كعمل ومعنى.