برزت متلازمة «هلا بالخميس» في الأعوام القريبة التي خلت، بمفهومها الشعبي المرادف للأنس المتزامن مع نهاية الأسبوع، والتحرر من قيود الارتباط والأعمال. لقد أصبحت هذه المتلازمة بعد قدوم الضيف الثقيل كورونا، باهتة ومفرغة من محتواها تماماً، حين ضعف الرابط، وانقطع حبل الود بين الأنس بمفهومه التقليدي، وبين يوم الخميس الذي لا يعلم شيئاً. فهو في نهاية المطاف - رياضياً - مجرد يوم كباقي أيام السنة. لقد عاد الخميس! ليبث الحياة في كلمة «هلا» من جديد على لسان وزير الصحة الربيعة. ولكنه عاد غريباً ومختلفاً. لقد عادت المتلازمة الشهيرة برائحة طبية، وتباعد اجتماعي، وحذر فكري. ومهما يكن، فقد كان الأمل مشرقاً في مجمل حديث معاليه، لقد نقل تصور القيادة الحكيمة، وبحثها الدؤوب للخروج من هذه الأزمة العالمية بأقل الأضرار، بناء على الإجراءات الاحترازية السابقة، والتضحيات والعطاءات اللا محدودة لحماية الإنسان والوطن على حد سواء. إن مشكلة هذه الأزمة على جميع الأصعدة هو افتقارها لنماذج سابقة يمكن الحذو نحوها، أو على الأقل محاكاتها من الجانبين الصحي، والاقتصادي. وبالمقابل، فإن حضور الفيروس في هذا الوقت تحديداً قلب موازين العالم، فغدا فريداً من نوعه، لذا قامت الحكومات بشحذ همم مفكريها على جميع الأصعدة، لإيجاد سبل علمية مقنعة، أو نظرية ممكنة، فرزقنا بالحيرة، وتعددت الرؤى، وتعددت الأخطاء في سبيل الخروج من هذا المأزق. لقد رأينا كيف أن كثيراً من الدول تباينت في محاولاتها بين الانعزال «الحجر»، وبين الانفتاح تيمناً بنظرية (مناعة القطيع). وكأننا بذلك نستحضر فلسفة «هيجل» في نظرته للتاريخ من خلال إسقاطها على أزمة Covid 19. حيث يرى هيجل أن كل شيء يبدأ بفكرة ناقصة تسمى الطريحة حيث تتجسد في الحجر والانعزال. وبالتالي فهذه الطريحة أو الفكرة الناقصة بحاجة إلى نقيض لها، ومن هنا تجسد الانفتاح والتعايش كما في مناعة القطيع. وبين الطريحة والنقيضة يولد صراع وصيرورة، مما يقود إلى ما يسمى التوليفة! وهي ما يتجسد الآن في رؤية المملكة على لسان الربيعة بالتعايش المتدرج، وهو ما ينطبق على ما تقوم به أكثر دول العالم الآن. يتبقى فقط، أن نعير اهتمامنا الآن لفكرة الإدراك والوعي والسلوك الإيجابي للتعامل مع هذا الانفتاح القادم يوم الخميس. لقد حرصت القيادة السعودية أكثر من أي بلد على هذه الكرة الأرضية للحفاظ على صحة كل إنسان داخل حدودها، ناهيك عن الدعم العالمي للأزمة. وقدمت من خلال جميع القطاعات ذات العلاقة بوزارة الصحة حملات إعلامية، تثقيفية، وتوعوية، وإقناعية، وحددت مسار الفكرة من المصدر السليم، وحاربت كل إشاعة لأنها تحترم عملها، وتؤمن بعقولنا الواعية. ومثلما طور الفيروس نفسه بيولوجياً - كما يدعون - فنحن بالمقابل أمام متلازمة جديدة تطورت بشكل طبيعي ولكنها مركبة، لتكون لقاحنا الفكري ضد فيروس كورونا. متلازمة «هلا بالوعي وهلا بالخميس».