عكست الأزمة تلاحماً بين القيادة والشعب كان أنموذجا فريداً لفت أنظار العالم، كما كان حرص قيادتنا على سلامة كل من يعيش على أرض المملكة مثالاً لحكومات العالم.. اليوم الخميس 28 مايو.. ننتقل لمرحلة جديدة بإذن الله في التعامل مع جائحة كورونا وفق تقييم صحي دقيق يمنحنا السرعة في تعديل المنهج ومراجعة المسار متى ما دعت الحاجة. لانه أصبح من الضروري تهيئة الجميع لممارسة حياتهم الطبيعية أو حتى شبه الطبيعية في ظل وجود الفيروس، حيث التعايش مع الواقع أفضل من الحجر طويل الأمد، خاصة مع فرص احتواء الوباء وانخفاض متوسط العدوى الثانوية لانتشار الفيروس، وصولاً لزوال الأزمة بإذن الله. هذه المرحلة الجديدة بدأت بها الدول الأوروبية قبل أسابيع وحان الوقت لمنطقتنا لتنفيذها، حيث ثبت عدم فاعلية الحظر الجزئي، فإما الحظر الكامل مع استحالة تنفيذه لفترات أطول، أو وضع سياسة للتعايش اعتماداً على الخبرات المكتسبة خلال الفترة الماضية. ومع حصاد تجربة الشهور الثلاثة الماضية ونجاح الحظر في محاصرة الداء قدر الإمكان والتوسع في استكشاف الحالات المصابة، ورغم ما كلف ذلك حكومتنا من مليارات الريالات وجهودها وإجراءاتها الاستباقية التي حظيت بإشادات الجميع، أصبح كل فرد مسؤولاً عن نفسه ومحيطه في بيته وعمله وأي مكان يتردد عليه. لقد بدأت المملكة القرارات الصارمة تجاه كورونا قبل معظم دول العالم، وها هي الآن تعلن عودة الحياة لطبيعتها بتاريخ 20 يونيو بمشيئة الله. بالرغم من تجربة منع التجول والحجر قاسية بعض الشيء، لكنها مفيدة بالتأكيد، فقد علمتنا الالتزام والانضباط وكيفية التعايش مع تجارب جديدة طارئة وأسست لإعادة ترتيب أولوياتنا ولمزيد من التقارب الأسري، كما علمتنا التخلص من الكثير من الأشياء غير الضرورية. وعكست الأزمة تلاحماً بين القيادة والشعب كان أنموذجا فريداً لفت أنظار العالم، كما كان حرص قيادتنا على سلامة كل من يعيش على أرض المملكة مثالاً لحكومات العالم. وبنظرة سريعة على التجربة، نجد أنه إلى جانب التدابير الصحية الوقائية والعلاجية، فإن البعدين الاقتصادي والسياسي دخلا جدياً في كافة الحسابات، حيث واجهت دول عديدة الكثير من الصعاب وعاشت وقع ألم الفقد والحظر والتباعد القسري وتوقف الحياة بشكلها المعتاد وخسائر اقتصادية متتابعة وفقدان ملايين الوظائف خلال الأشهر الماضية. جائحة كورونا القت بظلالها على العالم العربي والعالم أجمع وفشلت دول كبيرة في مواجهتها ونجحت المملكة بفضل من الله ثم قيادتنا الرشيدة بتجاوزها حيث انتهجت المملكة في إجراءاتها الاحترازية للتعامل مع فيروس كورونا، سياسة خاصة حرصاً على سلامة مواطنيها في الداخل والخارج حتى لا يكونوا سبباً في انتقال العدوى - لا قدر الله - إلى أسرهم والمخالطين لهم، وكذلك شملت جهودها حماية المقيمين على أراضيها من الإصابة بالفيروس. وقد اتخذت القطاعات المعنية المختلفة في المملكة بمتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله، المزيد من الإجراءات الوقائية والاحترازية، وذلك في إطار تطوير ومتابعة مستمرة لجهود منع انتقال العدوى بالفيروس ومحاصرته والقضاء عليه، في أجواء تتسم بالشفافية التامة والوضوح والتدرج. بالطبع كانت هناك خسائر كبيرة شملت قطاعات كثيرة، وهذا أمر مفهوم، حيث علق العمل في معظم القطاعات وألغيت كافة الفعاليات وعلقت الدراسة وقيدت حركة الانتقال، وكان لكل هذه الإجراءات تداعيات وتكلفة مادية عالية، لكن حكومتنا أيدها الله أصرت على وضع سلامة المواطن والصالح العام كأولوية قصوى حتى انقشاع الغمة. والآن انتقلنا إلى مرحلة جديدة ستكون أقرب للتعايش، بعد أن حاصرت جهود الدولة الوباء وخففت آثاره قدر الإمكان. وحيث لا يمكن الاستمرار بخطة الحظر لفترات زمنية أطول، لأن ذلك يسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها ونزيفاً لا يمكن إيقافه. وقد كانت فترات الحظر السابقة مفيدة جداً في توقيتاتها، لأنها أتاحت للطواقم الطبية الاستعداد وزيادة كفاءة القدرة على المسح وعزل المصابين. وقد تكون عبارة (التعايش مع كورونا) هي الأكثر واقعية من عبارة (العودة للحياة الطبيعية)، حيث المرحلة الجديدة ليست عودة للحياة الطبيعية القديمة على الإطلاق، وإنما هي انتقال «للحياة الطبيعية الجديدة»، ولأنه ليس من الممكن على مستوى العالم العودة للحياة الطبيعية القديمة إلا بعد اعتماد تطعيم أو عقار للفيروس. وهذا التعايش مع كورونا يعني العودة لممارسة أنشطة الحياة في ظل وجود الجائحة ومشاركتنا الحكومة في تحمل جزء من المسؤولية للحد من انتشار الوباء، وبإذن الله نحن قادرون على ذلك من خلال اتباع كافة التدابير الوقائية والوعي بكيفية التعايش مع هذه الظروف. من المؤكد أننا سعداء، وندعو الله أن يتمم هذه الفرحة بتجاوز كلي للأزمة، لكن من المهم معرفة أننا لسنا حالياً في الوقت الذي يسمح لنا بعودة الحياة الطبيعية، فهذا مفهوم خاطئ قد يفاقم الوباء إذا لم نأخذ بالأسباب. إننا في فترة التعايش مع كورونا والوطن يراهن على وعينا لعبور هذه الأزمة بأقل الخسائر.