هزّ وباء كورونا (كوفيد 19) أركان الكون، وخلق أزمة عالمية لم يسبق لها مثيل في القرن الواحد والعشرين، وربما تتجاوز تداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي، بالذات، الأزمة الدولية العام 2008 التي كان لها آثارها الوخيمة على الاقتصاد الدولي، وتسببّت في إفلاس الكثير من المؤسسات والبنوك. ويقول بعض المتشائمين: إنّ ما يجري الآن بسبب كورونا، من انهيارات في الاقتصادات العالمية، يذكّر ب»الكساد العظيم» العام 1929 الذي بدأ بانهيار سوق الأسهم الأميركية، وشمل تأثيره المدمّر كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح. لقد قذف وباء كورونا، وما زال، الرعب في قلوب الكثير من مواطني دول العالم لا سيما المتقدمة؛ حيث كشف ضعف كفاءة بعض الحكومات، وعدم جاهزية بعض الدول للتعامل مع مثل هذه الأزمة، واستهتار بعض الساسة وتغليبهم، كما شاهدنا في إيطاليا، الخلافات السياسية والمناكفات الحزبية على سلامة الإنسان وصحته. ومن المعروف أنّ القضايا الدولية، التي تتجاوز حدود الدول، كانت دائماً على أجندة الأممالمتحدة في مختلف اجتماعاتها المتكررة؛ مثل التصحّر والتغيّر المناخي والأوبئة، لكنّ الدول لم تعط هذه القضايا الاهتمام المطلوب، إلى أن وقعت جائحة كورونا، وأصبح لا منأى لأحد عما يحدث، وهو ما جعل المجتمع الدولي في حيرة وضياع وسقم . وفي ظل هذا الظروف الصعبة التي يعيشها العالم، سارعت المملكة، ومن وحي مسؤوليتها كرئيسة لمجموعة G20 بالتحرّك والدعوة لعقد قمة افتراضية استثنائية للدول الأعضاء ودول ومنظمات إقليمية ودولية، وعلى رأسها الأممالمتحدة، ومنظمة الصحة العالمية. وجاءت لهفة المملكة من منطلق سياسي واقتصادي وأخلاقي للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة وانعكاساتها الخطيرة الحالية والمحتملة، فضلاً عن ضرورة الاستجابة الفورية من قبل دول المجموعة وهي الأقوى في العالم. وفي القمة التي حرص على حضورها صانعو القرارات في العالم، أكد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، أنّ هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية سريعة، كما يتوجب على مجموعة العشرين إرسال إشارة قوية لإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي، من خلال استعادة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات في أسرع وقت ممكن، ومدّ يد العون للدول النامية والأقل نمواً، لبناء قدراتهم، وتحسين جاهزية البنية التحتية لديهم، وهو ما استجابت له القمة في اجتماعها يوم الخميس الموافق 26 من الشهر الحالي، بضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة الكونية. وفي ظل هذه التطورات نلاحظ أنّ المملكة، بقيادتها الحكيمة والواعية ومؤسسات الدولة وخصوصاً وزارة الصحة، قد تعاطت برؤية شمولية واستراتيجية للحد من تفشي هذا الفيروس اللعين، وجهّزت مختلف الإمكانات، وفعلت كل الطاقات، للتعامل مع هذا الوباء، والعمل، بكل شفافية ومصداقية، على توعية المواطن والمقيم بالحقائق الطبية، ومساعدته وتثقيفه صحياً، لإبعاده عن مخاطر التعرض للعدوى. ولعل نظرة سريعة إلى ما يحدث في الساحة الدولية، ومتابعة مقدار الهلع الذي أصاب المجتمعات العالمية حولنا، وتدافع الناس لشراء قوتهم وحاجاتهم، ومقارنة ذلك بما نشهده، في المملكة، من هدوء ووفرة في مختلف السلع، وانتظام واستجابة من المواطنين والمقيمين لتوجيهات المؤسسات المعنية، والامتثال لتعليمات حظر التجول والالتزام في البقاء في المنازل لحمايتهم.. كل ذلك يجعل المملكة تتفوق حضارياً على تلك الدول التي لطالما زعمت وتباهت بأنها وحدها المتقدمة . ومن هذا المنطلق، فإنّ الأمانة في القول تفرض الإشادة بهذه الجهود وهذه السياسة الحكيمة التي جعلت المواطن السعودي ينتشي فخراً ويمتلئ بالتفاؤل بانجلاء هذا الوباء وقهره بأقل الخسائر، والعودة إلى حياتنا الطبيعية أكثر قوة وإيماناً وتلاحماً، وأشدّ إصراراً على البناء والنماء والتفوق وفق رؤية المملكة المستقبلية والتي ترتكز على المعرفة والعلم والتقنية، وتَنشد بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طَموح.