منذ اكتشاف المطبعة في القرن الخامس عشر على يد «يوهان غونتبيرغ»، وثورة كوبرنيكس حول مركزية الأرض، وتفاعلات عصر النهضة، وازدهار عصر التنوير، وتشكل الحداثة في أبهى صورها في أوروبا. برز العلم بديلا عن الكنيسة، وبدأت العلوم بكل حقولها تتخلى عن أمها الفلسفة (الميتافيزيقا)، وتتبرأ منها واحدة تلو الأخرى. يالها من قطيعة ! لقد تمايزت العلوم، واستقلت بموضوعاتها، مناهجها، ونظرياتها. لقد آمن العقل الأداتي الغربي أن العلم هو الحل، ومفتاح السعادة والخلاص للبشرية. ثم نشأ على هذا الإرث الفكري العلمي وآثاره، فكر جديد. يحمل عداء للحداثة، متسلحا بفكرة اللاحتمية، ومتأبطا أفكار توماس كون في تصوراته عن العلم، في كتابه (بنية الثورات العلمية). إن هذه الثورات نتاج اكتمال دائرة، وابتداء أخرى جديدة! إن معطيات الواقع منذ سنوات قليلة خلت، كانت تشير لنقلة نوعية كمية، في جميع مناحي الحياة لا سيما العلم والمعرفة. لقد وضح كثير من المهتمين والباحثين في مجال التقنية، أن عصر الجيل الخامس يحمل في طياته مالا يمكننا أن نتخيله! لذلك علينا - كما يدعون - أن نمهد لخيالنا ليتوقع أي شيء. وكأن الموضوع يتعلق بجدي وجدك حين دخل عصر الإنترنت والجوالات الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي. وبناء على ماسبق. ربما يكون عصر الجيل الخامس 5G، عصرا خصبا لحصد المعرفة وبذرها. ستوفر التقنيات المهولة حسب تصور الخبراء إمكانية عمل الدراسات والبحوث بأقل جهد، وبأسرع وقت. حيث ستكون سرعة الخوارزميات عالية جدا، والذكاء الاصطناعي شريكك في كل شيء، لاسيما وأنه قادر على التعلم الذاتي، من حيث التعلم من الخطأ، أو تطوير ذاته! مما يشير إلى أن العلم لن يصبح سلاحا ذا حدين فقط كما كان في السابق، بل سيكون متماهيا مع العصر ويصبح سلاحا ثلاثي الأبعاد. إن عصر الجيل الخامس - حسبما أعتقد - موعد لبروز تجارة المعرفة، وبيع المعلومات، ونمو كثير من المهن، كالجراحة والمحاماة. حيث يستطيع الجراح إجراء عملية للقلب المقتوح في سان دييغو، وهو في غرفة نومه في الرياض يشرب اليانسون. ويترافع المحامي البريطاني عن متهم نيجيري في كندا، وهو في صالة منزله، ويكسب القضية. منطقيا، لقد كان العالم في طريقه لهذه النقلة النوعية التقنية بسلاسة! ولكن فيروس كورونا Covid 19 أبى إلا أن يختصر المسافة الزمنية، ويسرع عجلات الحياة - رغم توقفها الظاهر - ويعيد ترتيب المفاهيم والأولويات. أتساءل. لو كنت عالما في مجال الفيروسات، وتسنت لي فرصة وضع هذا الفيروس تحت الميكروسكوب. ترى ماذا سأجد بداخله RNA أم 5G؟