لا أحد ينكر كمية الذعر التي انتشرت بين الناس جرّاء انتشار وباء كورونا، ولا نلوم أحدًا في ذلك، فطبيعة النفس البشرية يخالطها الخوف والفزع من انتشار الأوبئة، من هنا وجب علينا بث الروح الإيجابية التي تقوي العزيمة والدافعية من خلال حثّ الجميع على التحلّي بالصبر والالتزام التام بالقواعد السليمة لمواجهة تلك الأزمة، فالإيجابية ليست مجرد شعار يتردد؛ بل هي طريقة حياة متقدمة تجعلنا أقوى في مواجهة الظروف، وقد عرفها كروجر بأنها: مجموعة الصفات المرغوبة التي يجب أن تتواجد في الشخص مثل التفاؤل، والعطاء، والتعاطف، والتهذيب، وغيرها، والتي تجعله مقبولًا ومستقرًا عاطفياً، منفتحًا، محبًّاً للتجارب الجديدة، فالشخص الإيجابي يكون في حياته نشيطاً منفتح العقل، متعاطفًا مع الآخرين، يؤدي واجباته بنشاطٍ وتفاؤل، فيواجه مشاكل الحياة ومصاعبها، فيختار الخطوات الصحيحة، والحلول المناسبة للتعامل معها، فيوازن بين مختلف جوانب حياته، وبذلك يستطيع التقدم في حياته وهذا التقدم يعطيه دافعاً ليستمر. ونحن نعيش في زمن كوفيد-19 (كورونا) ما أحوجنا إلى التحلي بالإيجابية ، وممارستها لنحافظ على صحتنا النفسية، والجسدية، خصوصاً والإنسان يعيش في داخل الحجر المنزلي لساعات طويلة، ويحتاج إلى أن يصل إلى منطقة نفسية آمنة، تُبعد عنه شبح الاضطرابات، والخوف والهلع الذي اجتاح الكثير من الناس حول العالم. كما لا يجب أن ننسَ وقبل كل شيء التمسك بإيماننا القوي بالله وحسن الظن به، وأن كل شيء بيده -سبحانه، لذا علينا التوكل عليه، والعمل بالأسباب والتمسك بالأمل وأن لكل داء دواء، وأن بعد العسر يسرا، يقول تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). وكما قال الشاعر: ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ ونحن الآن في وضع مختلف عن السابق، وجب علينا جميعاً أن نركز على الجوانب الإيجابية والمشرقة في حياتنا، وأن نستمر في العيش بطبيعتنا، وأن نواصل العمل والانجاز بقدر المستطاع مع الأخذ بالاحتياطات الوقائية، والالتزام بالإرشادات الاحترازية، وأن نعمل على دعم المسؤولية والواجب الوطني، فالإيجابية مسؤولية مطلوبة دائماً في الحياة، ومع الأزمات والأوضاع الاستثنائية تكون المسؤولية مضاعفة. فمن نعم الله على الإنسان أن جعل لديه القدرة الكاملة على التكييف مع المتغيرات، والعمل وفق الظروف التي تناسبه، لذا يجب ألا نعطل أمور أساسية في الحياة، لأن هناك بدائل عديدة، وحلول كثيرة، تضمن الاستمرارية والديمومة، والعيش بكل إيجابية، دون الانسياق خلف التهويل، ودون الانصياع وراء الشائعات. ومن سيحبس نفسه في الشعور السلبي، ويظل يلازم أصحاب الأحاديث المحبطة، فلن يعيش، ولن يستمتع، ولن يتقدم، ولن يتغير، ولن يتطور، ولن يصبح مرناً في أدائه وتعامله، وفي تفكيره وعمله. انظروا وتأملوا إلى الجانب الآخر المشرق في هذه الأزمة، وماذا تغير في عالمنا؟ فمع الحجر الصحي العالمي، وبحسب علماء النفس، أنه على المستوى الفردي، فإنّ الوباء العالمي، أسهم في انكشاف مسائل حياتية كانت مهملة من قبل. فالحجر أعاد إلى البطء في العيش قيمته، بعدما باتت الحياة اليومية للأفراد تسير بوتيرة سريعة تدخلهم في دوامات الكآبة. كذلك أعاد الإنسان إلى جوهرة والتعرف على ذاته أكثر، والاستمتاع بالهدوء والسكينة، وتغيّرت مفاهيم العلاقة بالعائلة، لتصبح أكثر قوة ومتانة وتقارب بين أفراد العائلة الصغيرة في المنزل، ليتعرفوا على بعضهم بشكل أدق، ويكتشفوا مواهبهم، ويتحاورون بكل شفافية لإيجاد حلول لمشاكلهم، واستشراف مستقبلهم وتبني أحلامهم. ومن الأمور الإيجابية الملاحظة عالمياً أن الطبيعة عادت إلى بعض توازنها. وتراجعت حدة التلوث عبر العالم وانحسر حجم غاز الدفيئة في الغلاف الجوي. وقد أسهم تفشّي الفيروس إيجاباً في الكشف عن مساوئ النظام الاقتصادي العالمي الذي كان سارياً قبله، والذي جعل البشر أشباه بآلات يمضون معظم وقتهم في إنجاز أعمالهم خوفاً من السقوط تحت خط الفقر أو عدم تمكّنهم من تأمين أدوات الرفاهية التي جعلتها، وسائل التواصل الاجتماعي والبروباغندا أحد أهداف "العيش الكريم". وعدا عن كشفه عن رداءة الأنظمة الصحية في بعض الدول التي تدعي التقدم. ولأننا نعيش في دولة شعارها الإنسان أولاً، سارعت حكومتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله - وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظ الله – منذ بداية هذا الوباء إلى التأكيد على أهمية المواطن، وبذل كافة السبل للحافظ على صحته وتوفير مبدأ العيش الكريم، والعمل الدؤوب للحفاظ على الوطن ومصالحه، وليس ببعيد عن تلك الإيجابيات الخدمات الصحية المتطورة التي تقدمها وزارة الصحة والتي اثبتت كفاءتها وجودة النظام الصحي في دولتنا ولله الحمد، وكذا التعليم الذي عمل وفق المرحلة وفتح آفاق جديدة للتعليم الإلكتروني، والكثير من القطاعات الحكومية التي سارعت في تطوير أنظمتها والعمل وفق المرحلة. دعونا نستلهم من هذا الظرف الصعب حلولاً إيجابية، ونطور من أنفسنا ورؤيتنا؛ لنعيش الحياة الإيجابية التي تسهم في تقويتنا وتجعلنا مواطنين صالحين نافعين لأنفسنا ولأوطاننا.