وقد وفق الله المديرية العامة للسجون في المملكة العربية السعودية إلى إتاحة الفرصة المناسبة لمن أراد أن ينفق في سبيل تنفيس الكربات من خلال خدمة (فُرِجَتْ)، فهنيئاً لمن استثمرها لرسم ابتسامةٍ عريضةٍ على شفاه أسرةٍ غُيّب عنها مُعيلُها قسم الله الأرزاق بين عباده، فبسط الرزق لمن يشاء منهم، وقدَر على بعضهم الرزقَ، وجعل كلاًّ من الثراء والفقر ابتلاءً يبتلي به عبده، قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ)، فالفقير يكون له الفقر بلاء يظهر به صبره وتعفّفه أو قلّته أو عدم ذلك، والغنيُّ يكون له الغنى اختباراً تظهر به أصالته وشهامته وصفاء روحه، أو عدم هذه الصفات أو قلتها، ولا شك أن من كان نقيَّ الروح شهم النفس ذا قدرة مالية انجذبت نفسه إلى مكارم الأخلاق، ومن أهمها تفريج الكربات، والأخذ بأيدي المملقين عند العثرات، ففي إنفاق المال في مثل هذا أجرٌ وافرٌ وشكرٌ جزيلٌ، بل إن الكريم لا تكتمل له متعة القدرة إلا إذا أحسن بها، وقد وفق الله المديرية العامة للسجون في المملكة العربية السعودية إلى إتاحة الفرصة المناسبة لمن أراد أن ينفق في سبيل تنفيس الكربات من خلال خدمة (فُرِجَتْ)، فهنئياً لمن استثمرها لرسم ابتسامةٍ عريضةٍ على شفاه أسرةٍ غُيّب عنها مُعيلُها محبوساً في حقٍّ ماليٍّ أعسر في أدائه، وهنيئاً للجهات الرسمية التي دشّنت هذه الخدمة لتتيح الفرصة للمجتمع في الإسهام في إزاحة الغُمّةِ عن مُعسرٍ يرزح تحت وطأة دينٍ أثقلَ كاهلَه، وأهمية هذه الخدمة وفضل تدشينها والتبرع من خلالها تكمن في نقاطٍ كثيرةٍ منها: أولاً: التّسبُّبُ في تنفيسِ الكُربة وكشفِ الغُمّةِ، فمن أتاح هذه الخدمة المباركة ومن تبرّع للمشمولين بها فقد سعى في إزاحة الغُمّة وكان مرجوّاً له الثواب الموعود به في حديث أَبِي هُرَيْرَة رضي الله تعالى عنه، عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)، أخرجه مسلم، وقد تضمّن هذا الحديث خصالاً متعددة اجتمعت في هذه الخدمة؛ فإن فيها تنفيس كربات هؤلاء، وفيها تيسير على المعسرين، وفيه ستر للمسلم، وفيها إعانة العبد لأخيه، والثواب الموعود به من فعل هذه الخصال ثواب لا ينبغي أن يزهد فيه المؤمن، فأيُّ ربحٍ أعظم من أن تُنفق دراهم معدودة فَتُنَفَّسَ عنك كربات يوم القيامة، ويُيسر الله عليك، ويسترك، ويكون في عونك؟ إنه عرضٌ شديدُ الإغراءِ لا ينبغي تفويته. ثانياً: كون الإنفاق من خلال هذه الخدمة بذلاً للمال على الوجه اللائق وبالطريقة الآمنة، بحيث يطمئن بأن نفقته وقعت موقعها، وصادفت محلّها، بعيداً عن المجازفة بها فيما لا يدري أَوَجْهُ برٍّ أم شيءٌ آخر، وذلك أن هذه الخدمة المباركة تم إطلاقها باشتراكٍ من الجهات المختصة حيث تشترك فيها وزارة العدل ووزارة الداخلية ممثلة في السجون ووزارة المالية نظام سداد وهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي ممثلة بمركز المعلومات الوطني، وهي تخص التسديد عن السجناء في القضايا المالية، واشتراك الجهات المذكورة فيها تتأكد موثوقيتها من جميع النواحي، فيتأكد أن المُتَبَرَّعَ له من أهل الاستحقاق، وأن المال المبذول له يُصرفُ في سداد المغرم المستحق عليه تحديداً، ومن ميزة هذه الخدمة أنها قضت تماماً على عشوائية جمع التبرعات والحملات وما يشوبها من لغطٍ وتلاعبٍ وغياب الموثوقية، ولا تقتصر هذه الخدمة على السعوديين، بل تشمل السجناء الأجانب. ثالثاً: اجتمعت في هذه الخدمة أمورٌ تجعل الصدقة أفضل، منها السِّرية، وصدقة السرِّ فضلُها عظيمٌ وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في ذكر السبعة الذين يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) متفق عليه، ومن خلال هذه الخدمة يمكن المُتَبَرِّع أن يدخل فيسدد عن المعسر وهو جالس في بيته لم يشعر به أحد، ولم يتخذ في ذلك واسطة، ولم يلتق بالمُتَبَرَّعِ له، وهذا أبعد عن الرياء، كما أن فيه حسمَ باب المنِّ بالصدقة، ومنها كون هذه الصدقة في رفع الضرر وهو أهم من جلب المصلحة، ففي التسديد عن المعسرين رفع الضرر مرتين، فالمعسر يُرفعُ عنه السجن، والدائن يُرفعُ عنه ضرر تأخير حقه، بل فيه ثالث وهو رفع المعاناة عن أسرة السجين، فآثاره الإيجابية متنوعة ومتعدية إلى أكثر من جهة، فلله درُّ المديرية العامة للسجون، ولرجالها المخلصين الذين تمخَّضَ هذا الإنجاز عن جهودهم، وتقبل الله تعالى من المُتبرِّعين الذين استغلُّوا هذه الفرصة الثمينة، فأسهموا في تنفيس الكربات!