العزل والحجر الصحي، إضافة إلى التباعد الاجتماعي، هي الاستراتيجيات الثلاث التي اتبعتها العديد من الدول بما فيها المملكة لمواجهة جائحة كورونا. الاستراتيجية الأولى وهي العزل الصحي ليست بالمستحدثة حيث كانت هناك مستشفيات خاصة بالعزل الصحي، إضافة إلى مرافق للعزل الصحي في المستشفيات بوجه عام، من خلالها يتم تقديم الرعاية الطبية للمصابين بالأوبئة. في حين أن استراتيجية الحجر الصحي التي تقيد حركة المشتبه إصابتهم بالعدوى عبر فصلهم عن غيرهم، سواء داخل منازلهم، أو في منشأة مخصصة لذلك لم يسبق أن طبقت على هذا على النطاق الواسع والكبير، إلا في ظروف الوباء الحالية، حيث استدعى الأمر تأهيل بعض الفنادق لتلبي هذا الغرض. أما الاستراتيجية الثالثة الأشد كلفة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية وهي التباعد الاجتماعي، فهي التي ترتب عليها تعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، ومنع التجول الجزئي وعدم إقامة المناسبات، ووقف العمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة، وتعليق الدراسة في مؤسسات التعليم، وإغلاق الأسواق والمجمعات التجارية، وغيرها من الإجراءات الاحترازية الأخرى. قد يكون من استلهام الدروس في ظروف الجائحة الحالية، أن يضع أحدنا نفسه في موقع مخططي المدن ومن يرسمون مستقبلها، أو أن يقف ضمن دائرة المسؤولين عن إدارة هذه المدن، فيمعن النظر في أعداد المصابين بالعدوى، ومن أودعوا الحجر الصحي من المشتبه بإصابتهم، الذي واضح أنهم -ولله الحمد والمنة- لا يزيدون عن (0.1 %) من سكان المملكة، ويستحضر في ذات الوقت الذين قيدت أنشطتهم وحركتهم، ممن فاقت نسبتهم التسعة والتسعين في المئة من أولئك السكان، ويتساءل حينها: هل يا ترى كانت الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للجائحة بهذه الوطأة، لو كانت هناك ضواحٍ مهيأة بالبنية التحتية تجسد معنى هذين المصطلحين؛ العزل والحجر الصحي خارج المدن الكبرى بالذات، ليس بالضرورة أن تكون مشيدة بمبانٍ ومنشآت دائمة -عدا مرافق العزل الصحي- بل ربما جرى تنظيمها لتتألف من مستشفيات ميدانية، إن تطلب الأمر ذلك، ووحدات إيواء متنقلة أو سريعة الإنشاء، تحتوي على كافة الخدمات اللازمة لتوفير العزل للمصابين، وتلقى القبول والرضا من المشتبه في إصابتهم حين يوجهوا مؤقتاً إلى الحجر الصحي في تلك الضواحي. إن وجودها ربما جعلنا غير مضطرين لتبني استراتيجية مكلفة للعزل الاجتماعي إلا بالحد الأدنى. إنه مثلما قلت مجرد تساؤل، بواعثه الرغبة في البحث عن حلول تخطيطية تستلهم من ظروف الأزمة الحالية.