شكّل وباء "كوفيد-19" صدمة للعالم أجمع. فغيّر من مفاهيمنا تجاه الحياة بين ليلة وضحاها. ولا شك ان الظروف تفرض علينا التباعد الجسدي، لكنها في الوقت عينه تقرّبنا من بعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى. وعلى رغم انعزال العائلة والأصدقاء، إلا انه في إمكاننا مشاركة أفعال الخير عبر العالم الافتراضي طوال فترة الشهر الفضيل. لقد أمضى معظمنا المزيد من الوقت، سواء في العزل المنزلي أو الحجز الصحي منذ شهر مارس، إلا ان تباعدنا الجسدي ساهم في تقريبنا أكثر فأكثر من الناحية الاجتماعية، وخصوصًا في العالم الافتراضي. وبينما نختبر تجربة مختلفة بعض الشيء في رمضان هذا العام، قد تتشكّل بعض المفاهيم الجديدة لدينا حول الشهر الفضيل. وسط كل ذلك، لا بد من تكريس الكثير من الوقت لأنفسنا. تظهر البيانات من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "إنستجرام" و"فايسبوك" ارتفاعًا ملحوظًا في استخدام الكلمات المرتبطة بأفعال الخير والتكاتف في شهر رمضان، ومنها: التبرّع وأعمال الخير ومساعدة المحتاجين. وفي العام الماضي، أطلق إنستجرام مبادرة #إنستا_الخير في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعديد من الأسواق العالمية، الأمر الذي أدّى إلى زيادة تفاعل المستخدمين خلال الشهر الفضيل. أما هذا العام، ومع تأثر معظمنا بشكل مباشر أو غير مباشر بوباء "كوفيد-19"، فقد شهدنا موجات كبيرة من الدعم تجاه الأشخاص العاملين في الصفوف الأمامية والأبطال غير المرئيين، الذين يعملون بلا كَلل لضمان استمرارية حياتنا في الوقت الحالي من دون أي احتكاك. ونتيجة لذلك، فإننا توحّدنا لنكون في حالة ذهنية مشتركة تكمن في التفكير بأننا نواجه ذلك العدو غير المرئي، وسوف ننتصر عليه. وفيما لم تمرّ سوى بضعة أيام من شهر رمضان، بات من الواضح ازدياد أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحاولون التغلّب على القلق الذي تسبّب به الوباء الحالي. وبينما تتزايد أعمال الخير والتضامن عبر الإنترنت، فإن تخصيص الشهر المبارك لمشاركة هذه القيم من شأنه ان يقرّبنا أكثر فأكثر كمجتمع عالمي. في الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، نحن محظوظون للغاية كوننا نعيش في مجتمع متعدّد الثقافات، حيث يقدّر الجميع لغة الحب والتسامح. وكبشر من شتى الخلفيات الاجتماعية والثقافات، نفهم ونتجاوب مع المبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة بالعطف والتسامح ونكران الذات. ولا شك ان الصحة النفسية تتعزّز عند ممارسة القيم الغنية كتقبّل الآخر والتسامح، أو حتى حين نستخدم بعض الكلمات الإيجابية لتحسين مزاج بعضنا البعض. ويزداد هذا الأمر أهمية عند استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي. في الحقيقة، يتميّز مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بالحنكة والمهارة في ما يتعلّق بملاحظة الأشخاص الذين يتمتّعون بالصدق والأصالة ومن هم غير ذلك. وانطلاقًا من تجربتي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لسنوات، يمكنني القول ان خبرتي ووجودي عبر المنصات الرقمية بالإضافة إلى تأثيري في ازدياد مستمر، لسبب بسيط: "أقول ما أعني، وأعني ما أقول". من المهم جدًا أن نعمل بصدق على خلق الأسلوب الذي يتميّز بالبساطة والصدق عبر الإنترنت، من أجل ضمان إيصال رسالتنا بشكل صحيح وموثوق. تذكّروا أن الرسائل غير الصادقة أو السلبية تنعكس بشكل محتم على منصات التواصل الاجتماعي. أعطِ من وقتك تتخطى أفعال الخير والإحسان عبر العالم الافتراضي الدعم المالي أو الهدايا. فنحن نحتاج لتكريس القليل من وقتنا للآخرين في بعض الأحيان. وتبرز أهمية ذلك بشكل خاص خلال أوقات العزل، حين تختفي معظم قنوات التواصل الأخرى لدينا في الحياة العادية بعيدًا عن الشاشة. إن تشارك إنشاء المحتوى مع الناس الأكثر حاجة من حولنا طريقة رائعة للحفاظ على علاقاتنا المتينة وسلامتنا، حتى أنه قد يصبح جزءًا من تراثنا وتقاليدنا مع مرور الوقت. في هذ السياق، تعتبر المشاريع العائلية التي يمكن لجميع أفراد العائلة الاستمتاع بها من أبرز الأمثلة على كيفية استهداف كبار السن، الذين يتحمّلون الأعباء الكبيرة حاليًا. ابحثوا عن سُبُل التعاون الخلاقة مع الأصدقاء من أجل إنشاء المحتوى الغني الذي قد يصل للأشخاص الذين يفكّرون بطريقة مماثلة. كما يمكن لذلك المحتوى ان يشكّل مصدر إلهام لتكاتف الناس أكثر من أي وقت مضى. لكن تذكروا أيضًا ان الهدف الأساسي من نشر أفعال الخير والتكاتف إلكترونيًا لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بإنشاء حركة ما أو حملة ما فحسب، لا بل أنه تذكير بسيط لنا كبشر كي نفكّر مليًا بأولوياتنا والأشخاص الذين نهتم لأمرهم. ولعلّ أبرز أفعال الخير تكمن في تقدير جهود الأبطال في حياتنا، والأثر الذي أحدثوه فينا عبر السنين. ومع ذلك، أعلم جيدًا ان الكثيرين منّا يجدون صعوبة في نشر أفعالهم الخيّرة. قد يبدو الأمر مربكاً، لكنّكم لستم وحدكم، فمع مشاركة لفتاتكم الإنسانية، قد تؤثرون على أشخاص آخرين كي يقوموا بأفعال مماثلة كذلك. ألا يستحق ذلك المشاركة؟ *مُدربة حياة وناشطة في التوعية المجتمعية