في آخر حدود منطقة مكة جنوباً، وإلى الغرب من محافظة العرضيات والشرق من القنفذة، وفي تقاطع طريق قنونا بطريق سبت الجارة جمعة ربيعة تحديداً نشاهد الكثير من المقابر عند هذه النقطة، علما أنه لا يوجد بالجوار أي قرية أثرية مندثرة سوى أنها تعد قريبة من "حداب الصليلات" التي يوجد بها الكثير من النقوش والمخربشات التي توحي بأن هناك تجمعات كبيرة كانت ترتاد هذا المكان لسنوات عديدة وهذا ما جعلني أرشح هذا المكان ليضاف إلى المكانين السابقين اللذين اقترحهما الفقيه والبلادي في حداب "القرشة" و"المعقص" ليكون مكاناً ثالثاً مقترحاً لسوق حباشة الذي قيل أنه في قنونا. وسوق حباشة هو سوق الأزد. يقول الأزرقي: "حباشة سوق الأزد وهي في ديار الأوصام من بارق من صدر قنونا وحلي من ناحية اليمن وهي من مكة على ست ليال وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية، وكان وإلى مكة يستعمل عليها رجلاً يخرج معه بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متوالية، حتى قتلت الأزد والياً كان عليها من غني بعثه داود بن عيسى بن موسى في سنة سبع وتسعين ومائة، فأشار فقهاء أهل مكة على داود بن عيسى بتخريبها فخربها وتركت إلى اليوم. وهي أكبر أسواق تهامة، كانت تقوم ثمانية أيام في السنة. قال حكيم بن حزام: وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها، واشتريت منه فيها بزاً من بز تهامة. وهي من صدر قنوني، أرضها لبارق. وهذه العبارة وإن كانت ليست موضوع بحثنا هنا تدل على أن السوق بقنونا ولكنه لقبائل بارق التي يمتد نفوذها آنذاك إلى تلك النواحي، وهذا النص يفسر أيضاً قول الأزرقي: "من بارق من صدر قنونا". وقنونا وادٍ كبير يعد من أشهر الأودية التي جاء لها ذكر في معاجم البلدانيين وعند الشعراء والإخباريين، فالمتأمل في كثرة الأحداث التاريخية التي حدثت في قنونا كما سنوردها يجد أن قنونا كمكان حاز على نصيب وافر من الذكر في كتب التاريخ لذا فإنه جدير بأن يكون قد ضم سوقاً مشهورة كسوق حباشة فهناك أحداث كثيرة ذكرت في قنونا بينما لا نجد أحداثاً توازيها في مكان آخر بتهامة الأزد. فهناك قصة يوم "حضرة" بين دوس بني عدثان وبني الحارث بن كعب وكانت بقنونا، وكذلك خبر مقتل صديق كثير عزة بقنونا، ووفاة الفقيه هارون بن عثمان الحسائي الحميري بقنونا، وذكر غلاء الأسعار في تلك الحقبة إلى درجة أن أهل اليمن وسواكن ومكة أصبحوا يجلبون الذرة من قنونا. وهناك أحداث وحروب وغارات أيضاً دلت أن بني كنانة وأسد وقبائل من بكر بن وائل كانت مجاورة للأزد في تلك النواحي، وكذلك استقرار مضاض الجرهمي بقنونا بعد حروب الجراهمة مع أهل مارب عندما سارت الأخيرة إلى مكة. كما أن هناك الكثير من الشواهد الدالة على الاستيطان البشري الهائل لجنبات هذا الوادي عبر قرون مضت ولا أدل على ذلك من وجود الكثير من المقابر البشرية التي لم أرَ لكثرتها مثيل في الأماكن التي زرتها للبحث، وهي مابين مقابر سطحية ومقابر جماعية داخل كهوف صخرية كالتي في الوجهة وغيرها مما يدل على أن قبائل كثيرة استوطنت جنبات هذا الوادي وأن هناك معارك كثيرة دارت هناك. لكن الجديد في هذا الموضوع هو تحديد مكان آخر مقترح لمكان سوق حباشة الذي ورد ذكره في قنونا ففي الجزء الجنوبي الغربي من الوادي وبالقرب من تقاطع طريق قنونا وطريق سبت الجارة وجمعة ربيعة يوجد مكان هناك يسمى الصليلات وهو عبارة عن مساحة كبيرة جداً من الأرض تطل على الوادي من جهته الجنوبية، بها الكثير من النقوش والرسوم وهي أرض مستوية يميل لون تربتها إلى الحمرة، رأيتها قبل أن تمتد إليها الجرافات لتخفي كل ما كان بارضيتها من آثار عدا القليل منها التي لم تستطع الجرافات عليها وتلك التي في الجبل المقابل لبعدها عن متناول الجرافات. وفي هذا المكان الكثير من النقوش ليس بينها كتابة لا عربية حديثة ولا قديمة إنما هي عبارة عن نقوش ورسومات بدائية غير متقنة لأيادٍ وأشخاص وحيوانات كالجمال وغيرها منتشرة بكثرة على واجهات الصخور، كما يوجد في الجبل الشرقي المقابل لهذه المساحة من الأرض والذي يظلل المكان في الفترة الصباحية الكثير من تلك النقوش. فلربما كان هذا الموقع هو المكان الذي شهد سوق حباشة يدلل على ذلك وجود النقوش الكثيرة في هذا المكان من دون غيره وأعني في حداب القرشة أو المعقص أو غيرهما، ففي اعتقادنا أن هذه النقوش الكثيرة جداً كانت بفعل مرتادي السوق الذين ربما كانوا يفعلون ذلك تسلية ريثما يعقد السوق عند الضحى، وإلا لماذا لم نشاهد نقوشاً كثيرة على طول الوادي وعرضه إلا في هذا المكان بالذات وفي الجهة المقابلة منه أيضاً وتحديداً في وادي الدحيض فهو الآخر زاخر بالنقوش والرسوم. وهنا يجدر بنا القول: إن على وزارة السياحة ومسؤولي التنقيبات الإثارية أن يقوموا بدورهم التنقيبي، وفحص الملتقطات في كل الأماكن المقترحة للوصول إلى النتائج النهائية لتحديد مكان هذه السوق الشهيرة التي شهدها رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم. خربشات ورسومات متفاوتة