لقد فرضت المستجدات التقنية الشبكية معارف فائقة التصور، وساقت الإنسان نحو الدخول بلا إرادة في عالمها من خلال عوامل جذب سرقت الألباب، وجعلت الأنفس تدمن الاستجابة لهذه المستجدات، وتتعاطى بفاعلية مع المتغيرات. وأحدث ذلك ثورة مفاهيمية مرتبطة بالثورة التقنية الساحرة وأبعادها المتعددة والعميقة. ولعل أهمها المزاج الافتراضي الذي صنع حياة افتراضية يعيش فيها البشر كتجسيد لكثير من معتركات الحياة وأمورها، فكان الفرد الافتراضي، وكان المجتمع الافتراضي، وكان الواقع الافتراضي، وأحاطت بنا البيئة الافتراضية فلم يقف أمام ذلك كله أي عامل مكاني، أو ضابط زماني، فكل المفاهيم الواقعية تلاشت بالفخ التقني، الذي صنع حياة افتراضية. ولعلنا نجد أن ما نسميه تمحورًا رمزيًا لواقع حقيقي أمسى مسيطرًا على تعاطينا الروتيني مع تعاملاتنا وتفاعلاتنا داخل الافتراض التقني، الذي يصنع حالات من الجذب والإدمان. من هنا تشكل ما يمكن أن أصنّفه وأضعه كنظرية قد (تحتاج مزيدًا من المراجعة والمدارسة والبحث) نظرية «القيم الافتراضية»، وهي امتداد القيم الإنسانية والاجتماعية والمبادئ المختلفة التي يتعايش بها الناس في واقعهم الطبيعي؛ حيث صنع الفضاء الافتراضي قيمًا افتراضية تعايش بها الكثير بطريقة تفاعلية. فكان: * كل فرد متعلقًا بوسيلة تواصلية يجد فيها إشباعاته. * وصار الفرد أسيرًا لقيم افتراضية؛ كونه يستخدم وسيلة تواصل كتويتر مثلاً، فقد يتعايش ويتفاعل بطريقة لا تمثل حقيقة مبادئه أو قيمه؛ لأنه يخشى المتابعين الافتراضيين المجهولين لديه. * الفرد يوجب على نفسه قيمًا افتراضية مرتبطة فقط بدخوله بالوسيلة أو المشاركة فيها. * يشارك الفرد ويرسل أو يتلقى بطرق مختلفة (نصوصًا، صورًا، مقاطع، رسومًا، إيموجيات)، وقد يلتزم بقيم ذاتية يرى أنها تقدم شخصيته بشكل يطمئن له ولا يجدها في غيره، ففي تويتر مثلاً يكتب «نصًا»، وفي السناب «فيديو» لأنه تصوير، و"إنستغرام» صورًا، فيكون له في كل محتوى مسوغ شخصي وقيمي. * يتعامل الفرد بشخصية متعددة الأبعاد في الوسيلة الواحدة؛ فمثلاً في منصة الواتساب يشارك في عدة جروبات، وتجده في الجروب الأول يمثل شخصية المحافظ كجروب العائلة، وفي الجروب الثاني هو (الفلتة)، وفي جروب رياضي، وآخر سياسي، وغيره زملاء عمل، والآخر أصدقاء.. وهكذا. * كذلك يشارك الفرد في الوسائل المختلفة بطريقة متحولة بتحوله من وسيلة إلى وسيلة، فهو في تويتر شخصية وبأسلوب معين، وفي الوسيلة الأخرى بأسلوب وشخصية، وفي الثالثة مختلف. * شبكات كتويتر وإنستغرام وسناب يتضمنها متابعون مجهولون للمرسل؛ حيث يضعه ذلك في دائرة لبس الأقنعة المختلفة خشية اهتزاز تأثيره؛ لذا فهم يلزم نفسه بأمور قد يتفاجأ بها من يعرفه؛ لأنه يحسب حساباته مع المجهولين الافتراضيين. ويبقى القول: اليوم سلوكنا الاتصالي يتكثف بطريقة متسارعة بلا قيود حقيقية، وجعلنا في حالة مرتبكة بسبب المستجدات والتأثيرات، من هنا تشكلت قيمنا من جديد بسبب الحالة الساخنة التي نعيشها بين جنبات الوسائل التواصلية.