مبدأ الغش في المنتجات المستخدمة للتشافي من الأمراض قديم قدم التجارة نفسها تقريباً. ففي عام 1500 قبل الميلاد، كلفت الملكة حتشبسوت، ملكة مصر، فريقا بالخروج للبحث عن نباتات طبية أصلية؛ لأن الأصناف المزيفة عديمة القيمة قد أغرقت السوق، وحفلت كتب التاريخ والثقافة الشعبية بحكايات الأدوية المغشوشة منذ ذلك الحنين. وتعتبر الأدوية المغشوشة ظاهرة خطيرة تزداد يوماً بعد يوم وسنة بعد أخرى، وانتشرت في دول العالم المتقدمة منها والنامية. ومن أهم ما يذكر في هذا المجال الأدوية الجنسية أو أدوية المساعدة على الإنجاب وغيرهما كثير من الأدوية الأخرى. وبينما تقدر تجارة الدواء عالميا بما يصل إلى 800 مليار دولار منها نحو ملياري دولار في السعودية، تصل تكلفة تجارة الأدوية المغشوشة عالميا إلى 85 مليار دولار سنويا. وتقدر منظمة الصحة العالمية انتشار الأدوية المغشوشة بما يتراوح بين أقل من 1 % في الدول المتقدمة وإلى أكثر من 40% في بعض البلدان النامية، كما أشارت المنظمة إلى أن 42% من مجمل الأدوية المغشوشة المنتشرة في الأسواق التي أبلغت عنها بين عامي 2013 و2017 كانت في إفريقيا. من ناحية أخرى، شكل التطور والتوسع في مجال التجارة الإلكترونية تحدياً إضافياً في الحرب على الأدوية المغشوشة، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية مبيعات الأدوية المغشوشة عبر الإنترنت ب 50 %. ومع أن المملكة تعد من الدول الأقل عالمياً في وجود الأدوية المغشوشة بفضل الرقابة التي دعمتها هيئة الغذاء والدواء والمراقبة على المنافذ؛ حيث تبلغ مضبوطات الجمارك من الأدوية المغشوشة أو غير المرخصة ما يعادل 1 % من الأدوية المستوردة، إلا أننا جزء من هذا العالم ولا نستطيع نفي وجود أدوية مغشوشة في أسواقنا. وبصفة عامة تندرج المستحضرات الدوائية المغشوشة تحت عدة فئات: المستحضرات التي تحتوي على نفس المادة أو المواد الدوائية الفعالة ولكن بكميات أو تركيزات مختلفة عن المستحضر الحقيقي، كما قد تكون هذه المواد منتهية الصلاحية. والنتيجة إما عدم استفادة المريض من المستحضر وإما تعرضه لآثار جانبية خطيرة فيما لو تمت إضافة كمية أكبر من مادة فعالة ذات هامش أمان منخفض، كما هو الحال في الديجوكسين المقوي للقلب، الوارفارين المسيل للدم، والكلوزابين المضاد لانفصام الشخصية، حيث إن العبث بهذه المستحضرات قد تكون له عواقب كارثية على المريض. المستحضرات التي تحتوي على مادة أو مواد أخرى فعالة مختلفة عن المادة الأصلية، التي تحتويها المستحضرات الدوائية بمسحوق الألمنيوم بكميات كبيرة تفوق الحد الأعلى المسموح به لدى البشر، الأمر الذي أدى إلى وفاة مريضة كندية في ديسمبر من سنة 2006 عقب تناولها بضعة أقراص من منوم ومسكن ألم ومضاد للقلق، اشترتها من موقع على شبكة الإنترنت، حيث أظهرت التحاليل التي أجريت لاحقاً احتواء هذه المستحضرات على مسحوق الألمنيوم الذي أضيف كحشوة، الأمر الذي أدى إلى وفاة المريضة جراء تعرضها لاضطراب في كهربائية القلب بسبب التسمم بهذا المعدن. المستحضرات التي لا تحتوي على أي مادة فعالة، وهذه تترك المريض الذي يستخدمها فريسة الوهم بأنه يعالج مرضه وتعرضه لخطر تفاقم الحالة وتطورها إلى درجة أشد. مستحضرات دوائية يتم ترخيصها في بعض الدول التي لا تمتلك هيئات متطورة للرقابة على جودة الأدوية على أنها مستحضرات عشبية خالصة أو مكملات غذائية، ويتم غشها بإضافة مادة كيميائية دوائية فعالة أخرى، كما هو الحال في غش المستحضرات النباتية المخصصة لعلاج السمنة بدواء سيبوترامين، وغش المقويات الجنسية النباتية بالمادة الدوائية المعروفة باسم سيلدينافيل أو مشابهاتها. وهذه المستحضرات تعرض المريض لخطر تفاقم حدة الآثار الجانبية، لا سيما إذا عمد إلى الإفراط في تناولها اعتقاداً منه أنها مجرد أعشاب وقد يحدث تداخل دوائي بين هذه المستحضرات المغشوشة والأدوية الأخرى التي يستعملها المريض، وقد حذرت عديد من المنظمات الطبية العالمية من الآثار الجانبية الخطيرة لبعضها. مصادر الأدوية المغشوشة عادة ما يتم تصنيع المستحضرات المغشوشة في أماكن غير نظامية أو غير مرخصة، ولا تستوفي شروط التصنيع الجيد، ولا تخضع لرقابة السلطات الصحية المختصة، وهذه الأماكن قد تتراوح في سعتها ما بين الغرفة العادية والمصانع الكبيرة المجهزة بأحدث معدات التزييف والغش التجاري، التي توجد أحياناً في بعض المناطق التجارية الحرة أو في مناطق تغيب فيها الرقابة الفعالة على تصنيع واستيراد وتصدير الأدوية. وتباع هذه المستحضرات عبر شبكة الإنترنت من خلال مواقع إلكترونية غير مرخصة تعطي عناوين وهمية، كما قد تباع في بعض المحال التجارية علناً على أنها أدوية نباتية أو سراً بأسعار رخيصة تغري المستهلك، كما قد يتم تهريب الأدوية المغشوشة عبر الحدود. لا أحد في مأمن من آثار غش الأدوية، والضحايا هم في الدرجة الأولى المرضى وأسرهم، وكذلك الطبيب الذي قد تفشل خطته العلاجية، وقد يتعرض للمقاضاة من قبل المريض بسبب هذا الفشل، كما أن النظام الصحي بأسره لن يكون في مأمن من ذلك إذا ما وصلت الأمور إلى الحد الذي يفقد المريض ثقته بهذا النظام الذي يعجز عن توفير دواء «أصلي» له، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الحكومات والشركات المصنعة، وهذا ما يستوجب تضافر الجهود على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي لمكافحة هذه الظاهرة. وفي المملكة، أنشأت الهيئة العامة للغذاء والدواء نظام التتبع الدوائي (رصد) ضمن خطتها للمساهمة في برنامج التحول الوطني 2020، الذي يهدف إلى تحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»؛ وذلك بتبني أحدث الوسائل التقنية واستخدامها في تتبع وتعقب جميع الأدوية البشرية المسجلة المصنعة داخل المملكة أو المستوردة من خارجها. ويسهم هذا النظام في تعزيز دور الهيئة في حماية المجتمع، وتعزيز الرقابة والتأكد من سلامة الأدوية، وذلك من خلال معرفة مصدرها والمراحل التي مرت بها من التصنيع حتى وصولها للمستهلك، ومن أهم أهدافه مكافحة الغش الدوائي. ويعمل هذا النظام على الحد من تداول المستحضرات المغشوشة، وتوفير الأدوية ومعرفة أماكن وجودها، إضافة إلى تحقيق الأمن الدوائي من خلال إيقاف تداول الأدوية المسحوبة أو الموقوفة، وتوفير بيانات المستحضرات المتداولة في السوق، حيث يتيح نظام «رصد» لأي شخص التحقق من عبوة الدواء عن طريق قراءة الباركود ومعرفة أقرب صيدلية يتوافر فيها الدواء. تخضع صناعة الدواء للعديد من الضوابط والاشتراطات يساعد نظام التتبع الدوائي على مكافحة الأدوية المغشوشة