هذا السؤال الذي هيمن على فكر العصور التي تشكل من خلالها الإنسان، ولطالما أن الإنسان كان ومازال يسعى نحو فهم ذاته والإجابة على تساؤلاته الأنطلوجية وتمثُلاته المختلفة، نجده في كل عصر له تصوراته المتباينة حول ماهيته، فإنسان العصور القديمة على سبيل المثال كان يقتات على أسطورة روحه في المُتخيّل الميثولوجي، هذه الروح التي تعيش داخل عالم الممكنات اللامحدودة حافظت على أسرارها ولاتزال محافظة على غموضها، وشيئاً فشيئاً مع مرور الزمن والتحولات الثقافية عانق الإنسان تساؤلاته بدهشة أكبر وراح يسأل نفسه عن ماهيته كي يجد كينونته داخل عالمه.. وإذا ما نظرنا إلى الإنسان باعتباره مُعطىً طبيعيا يُدرِك ويُلاحظ، نجده يملك وعيا يُعزز حضوره في الحياة، هذا الوعي يجعله في حالة من الإحساس تجاه ذاته مُتلمساً تفاصيله وأشياءه. إن هذه الأولوية للوعي بالأنا على أية حال أصبحت تتجلى بشكل واضح في علاقة الإنسان بين أناه والآخر، بين الأنا والأنت بين الأنا والنحن، وبالتالي أصبحت هناك أشكال تعبيرية كثيرة حول الوعي بالأنا في حقل الأنثروبولوجيا انعكست بدورها على الفكر الأسطوري والتجربة الدينية للإنسان باعتبارهما العاملين الأساسيين في تشكيل الذات أو الأنا الواعية، فتعمل هذه العوامل المستمدة من التقليد أو المستمدة من تجارب الحياة المختلفة والمعارف المستجدة على المساهمة في تشكيل فهم الإنسان لماهيته وحضوره في الحياة. ولعل الأنثروبولوجيا باعتبارها مجموعة من الرؤى والتصورات التي يُضفيها الإنسان على أشيائه نجدها في هذا السياق تُقدم أجوبة بصدد الأسئلة التي يطرحها الإنسان على نفسه من خلال "اعرف نفسك بنفسك"، هذه النتيجة تقودنا مباشرةً إلى إجابة تُعد شفاءً للروح من هذه الأسئلة القديمة الحديثة والمستمرة، حيث يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره". فما أعذارُنا إذا ما عرفنا أنفسنا؟