لعلّ من حسنات وباء كورونا، والأزمة التي فرضها على العالم - إن صحّ أن تكون لها حسنات - إظهارها معادن الدول، وكشفها لحقيقة حجم القيم الإنسانية والأخلاقية في حياتها الواقعية، فضلاً عن إمكاناتها المادية والوقائية للتصدّي لأزمات طارئة وخطرة من قبيل أزمة كورونا. لا يبدو أن معظم دول العالم - بما فيها، بل أهمّها الدول الغربية - نجحت في امتحان التصدّي للجائحة الممتدّة، على الرغم من ارتكانها المفترض إلى قيم تُعلي من شأن الإنسان وحمايته ووقايته وحقوقه. ففي أول هزّة أحدثها الفيروس المميت، تكشّفت لبعض الحكومات «أنيابٌ حيوانية» نهشت حقوق دول تربطها بها مواثيق اتحادية، ومصائر مشتركة، فضلاً عن حدٍّ أدنى - كما يُفترض - من القيم الإنسانية والأخلاقية، فتواردت الأنباء «المخجلة» عن استيلاء دولةٍ على مُعدّاتٍ طبية أو حتى «كمامات» كانت متوجّهة إلى دولة أخرى! فيما يُشبه عودةً إلى قوانين «حُكم الغابة»، وانتكاسةً قيمية لن يكون تجاوزُها - بعد انتهاء الوباء - سهلاً. على المقلب الآخر.. ثمة دول عاجزة - حتى قبل الأزمة القائمة اليوم - عن تأمين الحدّ المقبول من الرعاية الصحية لشعوبها، فضلاً عن تأمين متطلبات المعيشة خلال تطبيق إجراءات الحجر وحظر ومنع التجوّل التي فرضها الوباء، ما يضع شعوبها أمام مستقبل مجهول ومحفوف بكثير من المخاطر. بين كلّ هذه النماذج الدولية والإقليمية التي كشفتها الأزمة، تبرز «ديرتنا» المملكة العربية السعودية، شامةَ حُسن بين دول الأرض، وبُقعة أمن واستقرار وطُمأنينة حتى في أحلك الظروف التي تعصف بالعالم، بما أنعم الله عليها من حُسن تدبير قيادةٍ تَستند إلى إرثٍ عريق من رعاية مصالح وأحوال مواطنيها، وتهيئة بِنيةٍ تحتية صحية، وأمن غذائي ومائي، يسمحان بالصمود أمام أعتى الجوائح، ويضمنان تجاوزها بأقلّ الخسائر. وفوق هذين الجدارين الصّلبين اللذين أحسنت قيادة المملكة بناءهما على مدار عقود، تتألّق قيم إنسانية وأخلاقية متأصّلة في المجتمع السعودي وقيادته، ليست للمتاجرة الرخيصة، ولا للاستعراض البائس، كفيلة - أي تلك القيم - بأن تنسف كلّ محاولات النيل من سُمعة المملكة وشرفها ومبادئها، وتعيد مَن يقف وراءها إلى حجمه الطبيعي مخذولاً مدحوراً. إن ما تضمّنته إجراءات المملكة وقراراتها بشأن جائحة كورونا، وما عبّرت عنه من حرص وحزم لحماية إنسانية الإنسان، مواطناً كان أو مقيماً أو حتى مخالفاً لأنظمة الإقامة فيها، يكفي لأن يُعزّز الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة لدى الحلفاء والأصدقاء، ولأن يهزّ أو يغّير الصورة السلبية عنها لدى المخدوعين بالشعارات الجوفاء المُتاجَر بها هنا وهناك. نعم.. ليس من المروءة ولا الشهامة أن تُعقَد المقارنات بين مستويات عطاءات الدول في هذه المحنة الإنسانية الجارفة، لكن الإنصاف يقتضي ذكر النماذج المضيئة بينها، التي تتربّع مملكتنا على عرشها، لتكون مثالاً يُحتذى لمستقبل البشرية.. تُقدِّمه «ديرة» ليس لها مثيل.