روايتان ورؤية انطباعية عن الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز، نشرت عام 1967، وطبع منها قرابة الثلاثين مليون نسخة «مئة عام من العزلة» و»حب في زمن الكوليرا»، حيث حكى ماركيز عن فترة زمنية ضمن أوراقها وسطورها حكاية لأسرة أوريليانو على مدار عشرة عقود من الزمان في روايته مئة عام من العزلة، وهذا يثبت أن الزمن مستمر في سريانه إلى الأبد ويدفعه إلى التمدد. وبناء على ذلك يكون تعريف الواقع متجذر في تاريخ المؤلف وثقافته وطبقته الاجتماعية حيث قلبت روايته فن السرد رأساً على عقب، ومنحت مؤلفها جائزة نوبل للآداب والعديد من الجوائز والأوسمة، ترجمت إلى عشرات اللغات في العالم من بينها العربية، فحين تحدثوا عن الحالة والمعاناة الإنسانية، أتوا على ذكرها وكأنها نشأت كتجربة في التاريخ، وتروى حكاية المنشأ والتطور والخراب الذي عاشته «ماكوندو» في تلك القرية. دائماً ما يظهر المؤلف الدبلوماسية الثقافية التي تعزز ميوله السياسية، وفي هذا الجانب سنذكر شيئاً يسيراً من صداقة ماركيز مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو والجدل حولها وما تسلل عنه في عالم الأدب والسياسة، ووجد الكثيرون تناقضات للآثار الجمالية في نفسية المتلقي، وصعوبة في فهم مواقفه السياسة، وخصوصا صداقته المتينة مع كاسترو، بما أنه عكس حياة وصراعات القارة. تحت عنوان «العزلة في أمريكا اللاتينية». ويعني ذلك أن الروايتين قريبتان من واقعنا اليوم وتحكي عناوينهما عن العزلة والوباء التي تدور أحداثها في العالم، ويمكن تفسيره أن مستقبلنا محدد من قبل ولن نتمكن من تغيير أقداره، مهما بلغت التكنولوجيا من تطورات مذهلة وغير مسبوقة. من هنا، يتمرد العقل ليطبقها على الواقع الذي شكله فيروس كورونا المستجد في دول العالم اليوم من خسائر بشرية واقتصادية فادحة، لذا نقول حتى في السياق الاجتماعي يظل الأدب كيانا غير حيادي يتوزع على السياسة والاقتصاد بتوزيع غير متكافئ أحيانا، فاليوم يعيش العالم قيم جديدة ساهمت في صراع العلاقات الاقتصادية، وذلك عطفا على تحذيرات منظمة التجارة العالمية، من إقبال العالم على أسوأ ركود نشهده «في حياتنا». لا شيء يوضح العلاقة بين أحداث التاريخ وأحداث الحاضر إلا تشابه وقوعها، ما من شك أن الحاضر مرتبط كليا بالماضي والمستقبل وما عكسه غارسيا من العزلة في مرآة الواقع لما يحدث ليس فقط في كولومبيا، ولكن في جميع أنحاء أميركا الجنوبية التي عاشت العزلة في روايته. وجعلنا نعيد قراءة أحداثها من جديد في هذه الظروف الراهنة وارتباط الكلمات العزلة والكوليرا بواقع وباء كورونا المستجد المنتشر اليوم وعزلة العالم، وبفضل أسلوبه المتقن نفذ بها إلى ذائقة القراء وظلت المواقف المفتعلة تشد اهتمامهم وعواطفهم وبقي على صلة بكل مراحل تكوين الأحداث عبر الزمن، وفي الرواية الأخرى قد تصبح الأمور يوماً بادية الوضوح مثلما حل بعالم غارسيا في زمن الكوليرا، وقيمة الحب في كل الظروف والأزمنة وكيف يشتد كثافة كلما اقترب من الموت حسب قول وشعور المؤلف.