آلة عملاقة انطفأت فجأة وتوارت عن العمل؛ وكأن ضجيجها لم يكن.. الإنسان الذي طغى وتجبر يقف عاجزاً بلا حول ولا قوة. فيروس ينتشر في أكبر القواعد العسكرية وحاملات الطائرات والغواصات النووية، ويكشف عجزها عن استهدافه أو حتى رصد تحركاته. دول عظمى بكل جبروتها وبأسها كانت تتهيأ لسيناريو نهاية العالم عبر مغامرة نووية طائشة فإذا نهاية العالم ليست إلا على يد قاتل متسلسل لا يرى بالعين المجردة، يقتل بالآلاف دون أن تستهدفه طلقة واحدة من العتاد الرهيب الذي كانت تدخره البشرية. انعقد مؤخراً مجلس الأمن لمناقشة الجائحة. هل سمع أحد بذلك؟ الدول العظمى كانت حاضرة. لا أحد اكترث. انتهى عصر الفصل في النزاعات بين الدول أو بالأصح إدارتها من بضع دول. وبدأ عصر فصل النزاع بين الإنسان والفيروس. ربما نشهد دولاً جديدة دائمة العضوية لإدارة هذا «الصراع المستجد». كما أراد الله منذ البدء؛ عاد الإنسان ليكون الأول، والوحيد في امتحانه تتحلق من حوله كل المخلوقات، تترقب مصيره المجهول وكيف سيتغلب عليه.. لا فرق في البلاء ولا أحد يسأل عن جنس أو لون!! منظمة الصحة تحذر من تحوّل الإصابة بكورونا إلى وصمة عار. ودول «محترمة» تقرصن بضائع بعضها وتتبادل الاتهامات وطرد المقيمين، في خيانة مخزية لأخلاقياتها وأعرافها ومعاهداتها. ستجد الدول دوماً سبباً تتقاتل من أجله، وسيجد الإنسان دوماً سبباً للاستعلاء والعنصرية حتى والفيروس يعيث به!! متى يتحول ضحايا كورونا إلى «مجرد أرقام»؟ لو طالت الأزمة أكثر قليلاً لا قدر الله، سيكون ذلك، وبأسرع مما نتصور.. الضحية رقم 1100223.. وتستمر الحياة يدفن الناس موتاهم في الطريق إلى الحقل والمرعى والمصنع.. لطالما فعلوا ذلك.. يغنون الحزن ويشيحون وجوههم عن علاماته الواضحة، ثم يتوقفون حتى عن العدّ. مذهلة قوة الإنسان الهائلة على التأقلم والنسيان. واقع الكون الأوحد (وهو الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ).. وضمانة بقاء البشر الوحيدة (ويرسل عَلَيْكُمْ حَفَظَةً).. أما النهاية فقدر نؤمن به ولا مفر منه (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون). .. وسبحانه في ملكه.